إعداد: ماريا قيومجيان

في تاريخ الثورات، نادراً ما تُخلّد الكلمات المكتوبة على قماش أو كرتون كما خُلّدت لافتات كفرنبل. تلك العبارات القصيرة التي خرجت من عمق المعاناة السورية، تحولت إلى أيقونات للحرية والسخرية المقاومة، وعبّرت بعفوية وعبقرية عن ضمير شارع بأكمله. لم تكن كفرنبل مجرد بلدة صغيرة في إدلب، بل كانت لسنوات لسان الثورة السورية، تقاوم بالقلم، وتقاتل بالنكتة، وتصرخ بالكرامة من خلف لوحات رفعها أهلها في الساحات وأمام عدسات العالم.
واليوم، في مشهد لا يخلو من الدهشة والرمزية، تُعرض هذه اللافتات الأصلية في قلب العاصمة دمشق، وتحديداً في محطة الحجاز. المشاركون في إعداد هذا المعرض، من أبناء كفرنبل والمكتب الإعلامي فيها، وصفوا هذا الحدث بأنه “حلم يتحقق”. أن تُعرض لافتات الثورة، التي طُوردت واضطُهد أصحابها، في هذا المكان العريق من دمشق، هو بحد ذاته انتصار للذاكرة، للسلام، وللكلمة الحرة التي قاومت القمع بالسخرية وبقوة الإبداع.
أعضاء المكتب الإعلامي المشاركون في المعرض عبّروا عن مشاعرهم بقولهم إن عرض هذه اللوحات اليوم في دمشق هو “حلم يتحقق”. أن تعود أصوات الثورة لتتردد في شوارع العاصمة، عبر لافتات قاومت القمع بالصوت والعقل والفن، هو انتصار لذاكرة السوريين، ولوجدانهم الذي لم يخن يوماً مبادئه.
لم تكن لافتات كفرنبل مجرد تعليقات عابرة، بل كانت وثائق يومية حيّة، تختصر المشهد السوري بحرفية، وتسخر من الطغيان بفطنة، وتعبّر عن نبض الناس دون خطاب خشبي أو شعارات مكررة. في تلك اللوحات، تماهت خفة الظل مع عمق المعاناة، وظهرت قدرة الإنسان البسيط على أن يُعبّر عن المأساة بأدواته المتاحة، ويهزّ بها ضمير العالم.
هذا المعرض ليس فقط احتفالاً بجمالية التعبير، بل هو تكريم لذاكرة سوريّة نقيّة قاومت الطمس، وتشبثت بالكرامة والحرية حتى اللحظة الأخيرة. اليوم، حين نرى تلك اللافتات معلّقة على جدران محطة الحجاز، ندرك أن السلمية ليست ضعفاً، وأن الكلمة – حين تخرج من القلب – قد تكون أبلغ من ألف رصاصة.
في كفرنبل، كتبوا الثورة بلا بنادق. واليوم، في دمشق، تعود كتاباتهم لتذكرنا أن البداية كانت سلمية… وستبقى.
معرض “لوحات كفرنبل الثورية” ليس مجرد استرجاع بصري لذكريات الثورة، بل هو استعادة لصوت كان يُراد له أن يُطمس، واحتفاء بجمال المقاومة السلمية حين تتجسد في كلمة ساخرة، أو عبارة تلخّص وجع السوريين بأقل عدد من الكلمات وأعمق قدر من الصدق. هذه اللوحات التي شقّت طريقها من الأزقة البسيطة في كفرنبل إلى صالات العرض في محطة الحجاز، لا تُعيد فقط رسم ملامح الحراك الشعبي، بل تعيد الاعتبار لصوت الناس العاديين الذين حملوا الثورة على أكتافهم، وكتبوا تاريخها من دون أن يدّعوا البطولة.
اليوم، في قلب دمشق، ترفرف روح كفرنبل حرة، ساخرة، وشجاعة كما كانت دوماً. إنها دعوة مفتوحة لكل من لا يزال يؤمن بأن الكلمة يمكن أن تقاتل، وأن الفن يمكن أن يوثق، وأن الذاكرة لا تموت ما دامت معلّقة على جدران تحلم بالحرية.