مادلين جليس
على الرغم من أن المجازر التي حدثت في الساحل اصطبغت بلون طائفي أحمر إلا أن مئات من الأيادي البيضاء التي لا تعرف التصنيفات الطائفية والعرقية والمناطقية امتدت لتمسح جبين الساحل ولتأخذ على عاتقها دعم المنكوبين في اللاذقية وجبلة وبانياس وطرطوس، والوقوف إلى جانبهم في مصابهم.
شبكة مسارات
“هو جزء يسير من احتياجاتهم الكبيرة” بهذه العبارة عبّرت إيناس حسنية من شبكة مسارات عن الدعم الذي تحاول الشبكة إيصاله للمتضررين بمساعدة الفرق والجمعيات المتعاونة معها، مثل جمعيتي سنديان وصدى وفريق “سلام يا طبيعة” بالإضافة للحركة المدنية الديموقراطية.
وتؤكد الشبكة أنها بدأت عملها من الساعات الأولى التي توضحت فيها معالم المجازر والاحتياجات الكبيرة التي بدأت تظهر لدى العائلات المنكوبة، وتضيف: “كان من المفترض بداية أن يتم جمع التبرعات العينية فقط دون المادية، لكن صعوبة التنقل وإيصال هذه التبرعات إضافة إلى توقف الأسواق وإغلاق المحال التجارية، كل ذلك فتح المجال أمام جمع التبرعات المادية”.
وتضيف: ” بعض التجار أبدوا تعاوناً كبيراً ودعماً غير متوقع إضافة إلى التبرعات التي وصلت لأصحاب المحال التجارية الذين ساهموا ببضائعهم في هذه التبرعات، لكن الأجمل كان تبرعات من العائلات الفقيرة التي تعاني أساساً من أوضاع مادية سيئة لكنها مع ذلك تبرعت بقسم من مؤونتها وغذاء عائلاتها”.
وعلى الرغم من تواجد فرق الشبكة في طرطوس إلا أن التبرعات جاءت من كل المحافظات، والأهم من ذلك كله التعاون الكبير من المجتمع الأهلي وتطوع عدد كبير من الشبان والشابات للعمل. أما عن الكميات المرسلة يومياً من التبرعات فأكدت حسنية أن عدد السلل غير محدد لكنه يتراوح بين ٧٠٠ إلى ١٠٠٠ سلة بحسب التبرعات التي تصلهم.
الحركة الوطنية الديمقراطية
على الرغم من عملهم المستمر منذ أسابيع، إلا أن فؤاد شدود عضو الحركة المدنية الديموقراطية يرى أن قرى الساحل لاتزال حتى اليوم تعاني نقصاً في المواد الغذائية وفي الاحتياجات اليومية للسكان.
يقول شدود أن فرق الحركة قامت بزيارات للمناطق، بهدف رصد الاحتياج، ومعرفة عدد العائلات المستهدفة، واحتياجات كل منطقة، خاصة الأمراض المزمنة، إضافة إلى الطلبات الخاصة التي قام الفريق بإيصالها بناء على طلبات الأقارب.
أما عن الكميات التي تم توزيعها فوصلت لحوالي ٥٦٠٠ سلة، بمعدل ٣٥٠ سلة تقريباً لكل قرية، مع مراعات الاحتياجات الصحية والخاصة حيث تم استهداف ٢٥ قرية وحياً حتى الآن.
إضافة إلى محور بانياس والقدموس، يشير شدود أن الحركة اتخذت عدة محاور أيضاً لتوزيع المساعدات، منها محور حريصون ومدينة بانياس مثل القصور القوز والمروج، ودير البشل والعنّازة وبتلّة كمحور ثاني، ومحور ثالث باتجاه اللاذقية، ومحور باتجاه جبلة المدينة والرميلة شراشير بساسين لآخر نقطة اسمها المنيزلة.
وأضاف شدود أن الحركة تعمل الآن وتجهز سللاً أخرى للانطلاق بجولات جديدة باتجاه جبلة خاصة أنها لم تشهد أي نشاط أو استجابة، مع تأكيده على ضآلة المساعدات المادية التي وصفها بالخجولة مقارنة بحجم الاحتياج.
تواصل
تصف خديجة منصور انضمامها للعمل مع شبكة تواصل التي عملت في طرطوس لجمع التبرعات بالواجب الوطني للجميع، تقول: “كل فرد على الأراضي السورية هو فرد من أفراد عائلتي، وكل شبر في الأراضي السورية هي مدينتي وقريتي، لذلك انضممت لشبكة تواصل وعملت على جمع التبرعات بمساعدة ابنتي وزوجها كسوريين أولاً وكمحامين ثانياً.
أما نور علي من جبلة، فقد تطوعت في إحدى الجمعيات لتقدم ما يمكنها لدعم أهل مدينتها وتؤكد أن هناك مئات الشابات والشباب الذين دفعهم حب الوطن وانتماؤهم لكل مناطق وقرى ومدن سوريا للانضمام للجمعيات والمبادرات التي انطبقت لدعم أهل الساحل وكل المناطق المتضررة من الأعمال الإرهابية.
نقابة المحامين
ولم يقتصر العمل على الجمعيات والمبادرات، بل امتد ليشمل مختلف شرائح المجتمع، ولعل ما تقوم به نقابة المحامين في طرطوس دليل واضح على مساهمة المجتمع الأهلي.
يتحدث جلال كندو نقيب المحامين في محافظة طرطوس ل ” إرادة” عن أهمية ما يقوم به كشخص أولاً وكمحام ثانياً، ويشير كندو أنه قام بالتواصل مع عدد من الجمعيات تقوم فرقها بجمع التبرعات وإيصالها لعدد من أحياء بانياس والقدموس وبارمايا ولوزة وحي القصور في بانياس والعنازة وغيرها.
دور النقابة لم يكن إنسانياً مع المتضررين فقط، فبحسب كندو قامت نقابة المحامين في طرطوس بتقديم معذرة لمدة أسبوع لكل محامي طرطوس بكل المحاكم، ومن ثم تمديد المعذرة عدة أيام أخرى لضمان عودة الأمان لكل المناطق. مشيراً أن الباب مفتوح أمام كل محام تعرض أو يواجه ظرفاً خاصاً يمنعه من متابعة الدعوة للاتصال مباشرة مع النقيب لتقديم المساعدة المطلوبة في ذلك.
موزاييك
تؤكد أميمة حميدوش رئيس جمعية موزاييك للإغاثة والتنمية الإنسانية أن المساعدات والدعم لم تتوقف ولن تتوقف في الوقت الحالي، مشيرة أن الاحتياج الأكبر الذي رصدته الجمعية كان في مجال الصحة والطبابة، والأدوية خاصة لكبار السن والحوامل وبعض الحالات الخاصة. ولذلك فمع كل قافلة مساعدات يخرج فريقان طبيان يتضمن كل فريق ثلاثة أطباء اختصاص داخلية ونسائية وأطفال، بالإضافة إلى كادر تمريض، وأدوية مجانية، إضافة إلى فريق حماية الطفل.
وترى أن الجانب الأهم الذي يتم العمل عليه حالياً هو التعاون مع اليونيسيف على حماية الأطفال، من خلال تسجيل أسماء الأطفال في ملفات الحماية، وتقديم الدعم الغذائي والدوائي لهم إضافة إلى الدعم النفسي.
وتصف حميدوش استجابة المجتمع الأهلي بأسوأ حالاتها كما أن المساعدات خجولة وقليلة مقارنة بالمطلوب، خاصة في ظل خسارة كاملة لعدد كبير من العائلات لكل شيء، وحاجتهم الماسة لأدنى مقومات الحياة من غذاء ولباس وأغطية وأدوات مطبخ وغير ذلك، كما أن المبادرات فردية وبسيطة ولا تغطي حتى المنطقة المستهدفة والاحتياجات أكبر بكثير من المساعدات.
وكغيرها تشير رئيسة جمعية موزاييك إلى تقاعس المنظمات الدولية عن العمل على الأرض باستثناء منظمة الغذاء العالمي التي تقوم بتوزع سلل غذائية في بعض المناطق مع شركائها في الهلال الأحمر.
حملة ساعد
على الرغم من الأهمية القصوى للغذاء إلا أن الدواء كان المادة الأساسية التي عملت حملة ساعد على تأمينها بحسب ما تؤكد رحاب الإبراهيم بسبب الحاجة الماسة له وعدم قدرة أهالي المناطق المتضررة في الساحل من الوصول لها.
“فزعة سوريين” هو التعبير الأدق للمبادرات التي انطلقت لدعم الساحل كما ترى الإبراهيم، فهي ليست مساعدات فحسب، بل هي فزعة أهل وأبناء وطن يرفضون أن تتعرض منطقة لظلم أو جور، وتشير الإبراهيم إلى رفض حملة ساعد أن يتم توزيع المساعدات بناء على أسماء معدة من قبل المخاتير، بل الفريق يعمل على الوصول للمنازل وإيصال لمستحقيها المساعدات باليد.
تشير الإبراهيم إلى الحالة النفسية السيئة التي لايزال الأهالي يعانون منها نتيجة ما حدث لهم خاصة بوجود حالات كثيرة من الأطفال والنساء الذين خسروا الآباء والأزواج أمام أعينهم، وهؤلاء هم بأمس الحاجة للدعم النفسي الخاص.
وتضيف: أعلب الناس لاتزال تعاني من حالة خوف ورعب، الأعين مترقبّة والنظرات تائهة وخائفة، ولعل التوصيف هو “فقدان الأمان”. كما أن الحركة متوقفة والحياة شبه غائبة، وشبح الموت يحوم في الحارات التي باتت تتشح بالسواد.