اعداد: كريم خربوطلي
ما أن أُعلن عن سقوط نظام الأسد حتى تحولت الشوارع السورية إلى مسرح لمشاهد استثنائية. ففي اللحظة التي توجه فيها الأهالي المفجوعون نحو المعتقلات لإطلاق سراح أبنائهم المعتقلين، أُطلق سراح الكثير من قصص الاعتقال المحبوسة في غياهب الخوف، فخرجت قصص الاعتقال المسجونة والمسكوت عنها إلى النور، رغم أنها لم تغب عن ذاكرتهم يوماً.
إحدى هذه القصص تعود إلى أحد عشر شخصاً أصم، تعرضوا للاعتقال بسبب وشاية عن مشاركتهم في دعم المعارضة المسلحة. وشملت التهم الموجهة إليهم “التظاهر ضد النظام”، ولم تشفع لهم إعاقتهم السمعية أمام سجانهم.
شهادة من داخل المعتقل
وائل ضاهر، أحد المعتقلين الأحد عشر، يتحدث للمرة الأولى عن تفاصيل الحادثة المأساوية. في عام 2013، وبينما كان في طريقه إلى جمعية رعاية الصم بدمشق، اعتُقل وتعرض للتعنيف مع بقية المجموعة أثناء نقلهم إلى أحد السجون. يصف وائل السجن بأنه كان ضيقاً وبارداً، وأن المعتقلين نُقلوا إلى طوابق تحت الأرض دون معرفة سبب اعتقالهم.
كانت وسيلتهم الوحيدة لمواجهة الخوف والجوع والبرد هي الصلاة، على حد تعبيره. وبعد ثلاثة أيام من العزلة، فُتح الباب عليهم، ليعتقدوا أن الإفراج قد حان، ولكنها كانت بداية مرحلة التحقيق القاسية التي استمرت ثلاثة أيام أخرى. خلال هذه الفترة، تعرضوا للتعذيب الوحشي بهدف إجبارهم على الاعتراف بتهمة دعم المعارضة.
يروي وائل تفاصيل مروعة، من بينها تعرض أحد المعتقلين للتعذيب أمام والده الذي كان محتجزاً معه،وبعدها تم تعذيب الأب على مرأى ابنه . وآخر تعرض لتعنيف أشد من البقية. بعد ستة أيام من الاحتجاز، تم الإفراج عنهم، ليس لأن المحققين اقتنعوا ببراءتهم، ولكن بفضل تدخل رئيس جمعية رعاية الصم بدمشق الذي تمكن من التواصل مع مسؤولين لإنهاء هذا الاعتقال.
رواية رئيس الجمعية
منير سقباني، رئيس جمعية رعاية الصم بدمشق، يضيف تفاصيل أخرى عن الواقعة. يصف كيف اقتحم عناصر الأمن الجمعية بأسلحتهم، مما أثار الرعب في نفوس المتواجدين. قام الأمن بتفتيش الجمعية واعتقال بعض الحاضرين بعد مصادرة بطاقاتهم الشخصية.
وبعد علمه بسبب الاعتقال، أوضح سقباني للأمن أن الجمعية لا تمارس أي نشاط سياسي، وناشد المسؤولين للإفراج عن المعتقلين. ورغم الإفراج عنهم، قرر ثمانية من المعتقلين مغادرة البلاد خوفاً من تكرار الحادثة، وهو ما أثر بشكل كبير على نشاط الجمعية.
قصص منسية
حادثة اعتقال الصم الأحد عشر ليست سوى واحدة من قصص كثيرة خرجت للعلن بعد سقوط النظام. ورغم أن بعض هذه القصص وصلت إلى آذان الناس، إلا أن هناك العديد من الحكايات التي طواها النسيان، ولم تُروَ أبداً، دفنت مع أصحابها، ولم تشهدها سوى جدران تلك المعتقلات الباردة.
نهاية مظلمة تنتظر الكشف
بينما يحاول الناجون طي صفحات الماضي المؤلم، تظل هناك حقيقة مرة؛ أن هناك من قضى تحت التعذيب، وآخرين ما زال مصيرهم مجهولاً. إنها صفحة جديدة من الألم، تُفتح لتروي حقبة من القمع والانتهاكات التي شهدتها سوريا.