الإرادة

مبادرات شبابية لا تتوقف

منصة إرادة- شيماء شريف

لعدّة سنوات، تحديداً في مدينتي دير الزّور، كنت أخرج كل صباح السّاعة السادسة إلى العمل، أضع السّماعات على جانبي رأسي يهمس في أذني الشّاعر أحمد مطر بصوته الدّافئ الواثق ويقول: هذه الأرض لنا، قوت عيالنا هنا. أتلفت إلى جانبي لا أجد الأرض التي يتكلم عنها. إنّه اليأس عندما يتسلل حتّى إلى عظامنا.

عندما أصل إلى الحاجز على زاوية الحيّ، أنتزع السّماعة من أذني بسرعة، أعتذر من شاعر الثّورة مع أنني متأكدة تماماً بأنّهم لا يعرفون أحمد مطر، ولكنّه الحذر وتجنب أيّ احتمال للاعتقال. اليوم تبدو هذه نكتة أن يعتقلك أحد لأنّك تسمع قصيدة، ولكنّه كان واقع قبل شهر.

الآن أمشي في الشّارع يمكنني أن أستمع إلى القصيدة حتّى النّهاية، أتلفت فأجد الأرض فعلا لنا وقوت عيالنا هنا. الشعراء لا يكذبون، حقيقة عرفتها متأخرة.

من مبادرة كفو في دير الزور

لست وحدي على هذه القناعة، كثيراً من البنات والشباب، خرجنا بعد أن سقط النظام الّذي نكلّ بهذه المدينة، مسحنا دموعنا على أحبّاء ذبحهم الحرس الجمهوري في مذبحة الجورة والقصور، أو قتلتهم قذائف داعش أو الجوع خلال سنوات الحصار. خرجنا لأوّل يوم وقد سمحنا للأمل أن يتسلل إلينا، لنقبّل مدينتنا المنكوبة. نظمنا أنفسنا بمبادرة تطوعيّة سميناها (كفو)، لأوّل مرّة نشعر بأنّها شوارعنا ومدارسنا وحدائقنا.

أوّل نشاط كان تنظيف مستشفى الشّهيد أحمد هويدي (العسكري قبل سقوط النّظام) حيث أصبح متخصص في كلٍ من الأقسام التّالية (الأطفال والدّاخليّة والنسائيّة)، بعد أن كان يستقبل عناصر الجيش والميليشيات مجاناً، فيما يعالج المدنيين بشكل مأجور خصوصاً تقديم خدمة الولادة القيصيرية مقابل مبالغ تصل إلى 4 ملايين.

على أمل أن يعود هذا المستشفى لخدمة كلّ النّاس، استعرنا أدوات تنظيف من الهلال الأحمر السّوري على ضمانتنا الشّخصيّة، واشترينا مواد التنظيف والتعقيم من تبرعات بعض مغتربي المدينة، على الرّغم من بساطة العمل والجّهد إلّا أنها مبادرة من ضمن مجموعة مبادرات بدأنا فيها منذ الأسبوع الثّاني لسقوط النظام، ومباشرة بعد انسحاب قسد الّتي بقيت في المدينة لأربعة أيّام.

يمكن للمبادرة الصّغيرة أن تؤدي إلى أعمال كبيرة، في مدينة يصل الدّمار فيها إلى 70% في بعض الأحياء مثل (الرشديّة، كنامات، الصّناعة، خسارات، الجبيلة).

هذه المبادرة تشبه كثير من المبادرات التي يقوم بها الشباب وينظمونها في كثير من المدن السورية في محاولة لإيجاد دور إيجابي لهم، وتأكيد أن لديهم طاقة يمكن استثمارها إذا ما أتيحت لهم الفرصة، مثل فريق “عمّرها” وفريق “أثرنا”، وفريق “فزعة أهل” وغيرها. وتمثل الحراك الشبابي حتى الآن، في حملات توزيع الخبز وتنظيف الشوارع وتنظيم سير السيارات ونزع مخلفات وصور النظام السابق ورسم لوحات على الجدران.

من مبادرات الأهالي في حمص