كريم خربوطلي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في لحظة تاريخية طال انتظارها، انضم مجتمع الصم في سوريا إلى مواكب المحتفلين بسقوط نظام الأسد. بطرقهم الفريدة والمبدعة، عبّروا عن فرحهم وأملهم في مستقبل جديد يحمل العدالة والحرية.
الفيديو الذي انتشر كالنار في الهشيم، ويظهر لؤي يوسف، أحد أفراد مجتمع الصم، وهو يبتكر إشارات جديدة ترمز لانتصار الثورة السورية، أصبح رمزاً لهذه المشاركة المميزة.
جمعة النصر: يوم استثنائي في تاريخ سوريا
الزمان: الجمعة الأولى بعد سقوط نظام الأسد، بتاريخ 8 ديسمبر 2024، كان يوماً فارقاً في حياة السوريين. على غرار الثورة السورية التي أطلقت أسماء رمزية لأيام الجمع طوال أعوامها، حمل هذا اليوم اسم “جمعة النصر”.
المكان: ساحة الأمويين، قلب دمشق، التي طالما كانت شاهداً على مظاهرات التأييد القسري للنظام السابق، تحولت إلى مسرح للاحتفال الشعبي بسقوطه. احتشد السوريون فيها، ليحققوا حلماً راودهم منذ انطلاقة الثورة في 2011.
عفوية الاحتفالات وتنوع المشاركين
ما ميّز احتفالات “جمعة النصر” هو عفويتها وشموليتها. فبعد سنوات من القمع الذي أجبر الكثيرين على المشاركة في “مسيرات التأييد” للنظام، والتي كانت تُحشد بالقوة والتهديد، ظهرت جموع المحتفلين بدافع شخصي. لم يكن هناك أي ضغوط أو رقابة، بل كان الحضور تجسيداً حقيقياً لإرادة الشعب السوري بكل أطيافه ومكوناته.
لغة الإشارة تحتضن رموز الثورة
أحد أبرز مشاهد الاحتفال كان مشاركة مجتمع الصم، الذي قدم تحية بلغة الإشارة تحمل معاني عميقة ورموزاً مستحدثة. لؤي يوسف، عضو جمعية الصم في دمشق، ظهر في فيديو واسع الانتشار وهو يبتكر إشارة جديدة لاسم “سوريا”. الإشارة التي كانت سابقاً تعبر عن النجمتين في العلم السوري القديم، أصبحت تمثل ثلاث نجوم نسبة إلى علم الثورة السورية. كما أضاف لؤي إشارة جديدة ترمز إلى “انتصرت الثورة”، مما أثار إعجاب الملايين حول العالم.
تضحيات مجتمع الصم في ظل النظام السابق
لم يكن مجتمع الصم بمنأى عن المعاناة التي عانى منها السوريون في ظل النظام السابق. طريف درويش، أحد الصم المشاركين في الاحتفالات، عبّر عن سعادته بسقوط النظام لكنه لم ينسَ استذكار أصدقائه الذين فقدوا حياتهم أو اختفوا قسراً. تحدث طريف عن أحد الصم الذي اختفى لأكثر من 11 عاماً، تاركاً خلفه أسرة تنتظر عودته. كما استعاد قصة مؤلمة لشاب أصم أطلق عليه النار أحد عناصر النظام لمجرد أنه لم يسمع نداءه.
أمل جديد في المستقبل
احتفال مجتمع الصم في “جمعة النصر” لم يكن مجرد تعبير عن الفرح، بل كان تأكيداً على أنهم جزء لا يتجزأ من المجتمع السوري. رسالتهم الواضحة هي أن الثورة السورية ليست مجرد انتصار سياسي، بل هي بداية لعهد جديد يعيد الاعتبار لكل من عانى وتضرر، بغض النظر عن ظروفه أو قدراته.
لقد أثبت مجتمع الصم أن لغة الإشارة قادرة على أن تكون وسيلة للتعبير عن الحرية والأمل، وأنها تحمل أصواتاً لا يمكن كتمها.