الإرادة

حواجز أمام التعليم الشامل: الهوة العميقة بين القانون وتطبيقه

مياس سلمان
يكفل القانون لجميع الأطفال السوريين الحصول على التعليم دون تمييز. التعليم في سورية إلزامي في مرحلة التعليم الأساسي من عمر ست سنوات لعمر الخامسة عشرة. كما ينص القانون رقم 34 على تأمين التعليم للأطفال السوريين ذوي الاحتياجات الخاصة. لكن الطريق التعليمي للأطفال ذوي الإعاقة في الواقع مليء بالمطبات اللوجستية والاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على تجربتهم المدرسية بشكل سلبي، إن هم استطاعوا، أو سُمح لهم أصلا بخوض غمارها.
لا تتوافر معلومات واضحة عن مجموع عدد الأطفال ذوي الإعاقة في سورية ولا عددهم في المدارس أو حتى الجامعات. يبدو أنه من الصعب معرفة إلى أي مدى يطبق القانون انطلاقاً من المعلومات والإحصاءات الرسمية.

البداية: سياسة غض النظر
نص القانون على عقوبة (الغرامة من/10/ألاف حتى/15/ ألف بحق الأهل الذي يتسرب ابنهم من المدرسة الإلزامية وتضاعف الغرامة في حال تكرار المخالفة). هذه الغرامة التي تشكل أقل من ثمن دفتر قد لا تكون رادعة. لكن حتى عندما قبل الحرب، كان يجري غض النظر عن فئة معينة في حال لم ترسب أطفالها للمدارس وهي فئة ذوي الإعاقة. كأن هناك اتفاقاً ضمنياً بين بعض الأهالي والحكومة أن هؤلاء هم درجة ثانية في الحصول على حقهم في التعليم.
أتذكر جارة خالتي، أم أحمد التي كان لديها أربعة أولاد، ثلاث بنات وشاب، وكانت ابنتها الثانية مصابة بالشلل. لم ترسلها يوماً إلى المدرسة ولم يسألها أحد لماذا لم تفعل ذلك، كأنه التصرف الطبيعي. تذكرت هذه القصة وأنا أستمع لقصة مشابهة لعائلة لديها خمسة أطفال وقد قررت هذه السنة التوقف عن إرسال أحد أبنائها إلى المدرسة مع أخوته في محاولة لتقليل المصاريف المدرسية. طبعاً هذا الطفل لديه إعاقة ولا أدري لماذا تبدو هذه الحجة مقنعة للكثيرين، رغم أنها مخالفة للقوانين السورية، ومخالفة لكل المعاهدات والمواثيق الدولية ومخالفة أيضاً للمبادئ الإنسانية.
في آخر مسح عنقودي متعدد الأغراض تم في سورية عام 2007، تم تسجيل 210 ألف شخص بالغ مصاب بإعاقة دائمة، حوالي 100 ألف منهم أميّ و30 ألف ملم بالقراءة لكنه لم ينه المرحلة الابتدائية. ولم تتجاوز أعداد من وصل للمرحلة الثانوية 10 آلاف. تبدو هذه الأرقام مرعبة ومحزنة. لكن الأرقام الغائبة أو المغيبة اليوم بعد عشر سنوات من الحرب، ستكون بالتأكيد أكثر بؤساً.

أﻓﺎدت لجنة اﻹﻧﻘﺎذ اﻟدوﻟﯾﺔ 2018 أن 84% ﻣن اﻷطﻔﺎل اﻟﺳورﯾﯾن ﻣن ذوي اﻹﻋﺎﻗﺔ ﻻ ﯾذھﺑون إﻟﻰ اﻟﻣدارس، وأن أرﺑﻌﺔ ﻣن ﻛل ﺧﻣﺳﺔ ﻻ ﯾﺗﻠﻘون اﻟرﻋﺎﯾﺔ اﻟﺗﻌﻠﯾﻣﯾﺔ اﻟﺗﻲ ﻟدﯾﮭﺎ اﻟﻘدرة ﻋﻠﻰ ﺗﻐﯾﯾر ﺣﯾﺎﺗﮭم، وﺑﺎﻟﺗﺎﻟﻲ ﯾﻌﺎﻧون ﻣن ﻧﺗﺎﺋﺞ ﺳﻠﺑﯾﺔ ﻣﺛل اﻧﺧﻔﺎض اﻟﺗﻌﻠﯾم، وﻧﺗﺎﺋﺞ ﺻﺣﯾﺔ ﺳﯾﺋﺔ، وارﺗﻔﺎع ﻣﻌدﻻت اﻟﻔﻘر.

يبلغ عدد مراكز الرعاية الاجتماعية بحسب موقع وزارة الشؤون الاجتماعية 28 مركزاً في عموم سورية، يتركز نصفها في مدينتي دمشق وحلب، و10 من مجمل هذه المراكز مخصصة «للصم والبكم والمكفوفين» فقط، في حين لا يوجد أي مركز حكومي للرعاية الاجتماعية في محافظات دير الزور والرقة وإدلب وحماة.

 

الجدار الفاصل بين القوانين وبين التطبيق
نص القانون /34/ لعام 2004 الخاص بالأشخاص ذوي الإعاقة في المادة/9/ على توفير التعليم الأساسي للمعوقين جسدياً في سن الدراسة سواء في المدارس أو المعاهد الخاصة وذلك بالتنسيق بين وزارة التربية ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، حيث إن القانون يضمن من حيث المبدأ الحق بالتعليم للأشخاص ذوي الإعاقة ويتم عرض الطفل للجنة الدمج، وهي التي تحدد إن كان الطفل يلتحق بالمدارس أو المعاهد الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة حسب نوع ودرجة الإعاقة.
لكن عدد الطلاب من ذوي الإعاقة في مدارس الدمج لا يتجاوز ثلاثة ألاف طالب، بينما عدد الأطفال من ذوي الإعاقة ممن هم 12 عاماً يتجاوز أكثر من مئة ألف، وقدرت دراسة لليونيسف أن نسبة الأطفال من ذوي الإعاقة المحرومين من التعليم تصل إلى/84%/ في المراحل الثانوية.
حيث يستبعد الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة من المدارس بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء سياسات القبول غير المعلنة، عدم وجود ترتيبات وبنية تحتية للتنقل، نقص المعلمات المدربين تدريباً كافياً، عدم وجود مناهج شاملة أو موارد لوضع برامج فردية.
ورغم الصعوبات والحواجز والتحديات التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة، ولكن قليل منهم من يتفوق في المدرسة وتتاح له فرصة لإكمال دراسته الجامعية وقد حاول القانون/34/ لعام 2004 تقديم مزايا للأشخاص ذوي الإعاقة في الجامعة في المادة التاسعة منه من خلال منح الطلاب ذوي الإعاقة الجسدية أولوية القبول في السكن الجامعي.
قد يكون هذا البند من القانون مطبق، ولكن قلة قليلة من الأشخاص ذوي الإعاقة يسكنون داخل السكن الجامعي، لأن السكن في جميع المدن الجامعية سكن قديم وغير مجهز اطلاقاً لخدمة الأشخاص ذوي الإعاقة سواء بمصاعد أو رامبات أو حمامات ويقتصر الاستفادة منه لبعض أصحاب الإعاقة الحركية الجزئية وبعض الصم والمكفوفين البعيدين عن الجامعة وليس لديهم بديل عن السكن.
كما نص القانون/34/ على (تخصيص بعض المقاعد للأشخاص المعوقين جسدياً في بعض الكليات الإنسانية للتفاضل عليها بشكل خاص بمعزل عن الحد الأدنى المطلوب سنوياً لهذه الكليات).
وكانت تقتصر هذه المفاضلة على الكليات الإنسانية مثل الأدب العربي والإنكليزي والتاريخ والجغرافية وكلية التربية الخاصة. يخبرنا سليمان جرجس سليمان طالب سنة رابعة في الأدب العربي جامعة طرطوس عن معاناته فيقول أنا لا أذهب للدوام في الجامعة فجامعة طرطوس لا تحتوي على سكن جامعي وأجرة الطريق مرهقة جداً من الريف إلى المدينة فيقتصر تواجدي على أيام الامتحانات حيث أقدم امتحاناتي في الطابق الأول ويساعدني الأصدقاء في صعود الدرج للوصول الى الطابق كما أنني احتاج طلب سيارة للقدوم للجامعة والذهاب للمنزل حيث تكلفني تقديم المادة حوالي/مئتي ألف/ ليرة سورية في هذه الظروف القاسية التي نعيشها، ويضيف لكن لا يجب التوقف ويجب الاستمرار بالدراسة حتى التخرج من الجامعة على أمل الحصول على فرصة عمل.
وقد تم التوسع مؤخراً بتخصيص مقاعد جامعية للأشخاص ذوي الإعاقة من الفرع العلمي لتشمل اختصاص هندسة معلوماتية وكلية الاقتصاد ومعهد التعويضات السنية.
أما إن كان الشخص من ذوي الإعاقة وحصل على علامة عالية فيحق له دراسة الفرع الذي يريده ضمن المفاضلة العامة وبغض النظر عن الإعاقة.
يحكي الشاب مياس عبد الله والذي حصل على مجموع/ 234/ من أصل/240/ أنه لم يفكر اطلاقاً بالتقديم لمفاضلة الأشخاص ذوي الإعاقة وبسبب مجموعه العالي سجل هندسة معلوماتية في الجامعة الافتراضية وهو الأن سنة ثانية كون الدراسة تكون على الإنترنت فيتغلب على مشكلة الوصول، ولكن يعاني أيضاً من أنه لا يستطيع تقديم الامتحان من منزله لأن قانون الجامعة لا يسمح لذلك، بل مضطر للذهاب لمركز نفاذ معتمد من قبل الجامعة الافتراضية لتقديم الامتحان مما يشكل عبئاً عليه.
كما نص قانون تنظيم الجامعات على تشكيل لجنة اكتتاب في كل فرع لكل طالب من ذوي الإعاقة ممن لا يستطيع الكتابة بعد تقديمه لتقرير طبي يثبت حالته.
تخبرنا الطالبة الكفيفة فرح جديد المتفوقة في كلية الحقوق التي أصبحت سنة رابعة وحاصلة على جائزة الباسل مرتين عن السهولة في تقديم الامتحان حيث يتم تعييين موظف أو مراقب عند كل مادة وبنفس المدرج الذي يقدم به بقية الطلاب حيث يقرأ لها الأسئلة وتلقنه الأجوبة كي يكتبها على ورقة الامتحان.
تضيف فرح أصبحتُ في سنة التخرج في كلية الحقوق، ولكن أنا خائفة من مرحلة ما بعد التخرج فرغم معدلي الممتاز وأني الثانية في الترتيب على الجامعة، ولكن أخبروني أني لا أستطيع أن أتعين معيدة في الجامعة فرغم وجود مرسوم ينص على تعيين الثلاثة الأوائل، ولكن شرط اللياقة الصحية يمنعني من ذلك كما أني لا أستطيع الانتساب إلى نقابة المحامين للسبب نفسه ولا أن أصبح قاضية فأي ظلم أتعرض له بسبب الإعاقة وأين مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص الذي نص عليه القانون؟

 

في النهاية يمكن القول إن نجاح بعض الأشخاص من ذوي الإعاقة كان نتيجة جهد شخصي لبعض الأفراد الذي توافر لهم دعم أسري واجتماعي ونفسي وتعليمي، وما زلنا نفتقر لخط شاملة واستراتيجية متكاملة تؤمن دمج أكبر عدد من الأفراد ذوي الإعاقة في التعليم المدرسي والجامعي بما يساهم بتخرجهم وحصولهم على فرصة عمل تؤمن لهم مردوداً اقتصادياً واستقلالاً مادياً.