دمشق – منصة إرادة
بابتسامة خجولة، تمسك حلا جبر ميداليتها الذهبية. ترفعها قليلاً لتحلق بها بسرعة دراجتها الهوائية إلى عوالم لا تشبه هذا العالم، عوالم أكثر دفئاً وعدلاً.
بميدالية ذهبية وأخرى برونزية عادت اللاعبة السورية حلا جبر من الألعاب العالمية للأولمبياد الخاص الذي أقيم في برلين عاصمة ألمانيا نهاية شهر حزيران الماضي. لم تكن تلك ذهبيتها الأولى فسجلها حافل بالبطولات ولعل أهمها ذهبية سباق الدراجات الهوائية الذي أقيم في الإمارات العربية 2019.
عادت حلا جبر إلى سورية وإلى مدينتها سلمية حيث ستعاود العمل في معمل لتجفيف البصل، وستعاود التدرب في نادي الشرطة بحماة، إنها لا تملك دراجتها الخاصة حتى الآن. وبسبب إصابتها باضطراب طيف التوحد لم تستطع إتمام دراستها، وعجزت أسرتها عن توفير العلاجات المساعدة أو إلحاقها بمراكز متخصصة. فقد وجدت حلا في الرياضة مساحتها الخاصة، فهي لم تكن بالنسبة لها مجرد متنفس بل: “الرياضة كانت بمثابة اعتراف بوجودي الإنساني، أمام نفسي قبل أي أحد وهي مفتاح ثقتي بنفسي”. جربت حلا رياضة الجري والكرة الحديدية وكرة السلة، لكن منذ 2014 اكتشفت كيف تستطيع الطيران على الدراجة الهوائية ومنذ ذلك الحين وهي تتدرب كل يوم.
حلا واحدة من أكثر من أربعين سورياً من ذوي الإعاقة ممن شاركوا في أولمبياد برلين وعادوا بإحدى عشرة ميدالية. إنجاز يعتبر قياسياً إذا ما قيس بالإمكانيات القليلة التي يحصل عليها هؤلاء اللاعبون سواء من حيث صعوبة تأمين أماكن التدريب المجهّزة والمدربين المحترفين أو توافر المعدات والأجهزة الخاصّة بذوي الإعاقة. إلى جانب كثير من المشكلات المسكوت عنها مثل الرواتب القليلة أو غير الموجودة أحياناً وقلة الاهتمام الذي يظهر فجأة أثناء المناسبات والبطولات ثم يعود ليختفي عندما تنطفئ أضواء الكاميرات وتنخفض الميكروفونات.
يصل عدد رياضيي سورية من ذوي الإعاقة، إلى 1500 لاعب تقريباً مسجل في اتحاد الرياضات الخاصّة، لكن العدد الفعلي للأشخاص الذين يتدربون بالفعل لا يتجاوز ربع هذا العدد فقد ابتعد كثيرون منهم عن اللعب والتدريب، أو غادروا سورية، ومنهم من يعيش في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية.
ولدى الرياضة السورية بالعموم مشاكلها المتأصلة وهي كثيرة، فمن البنية التحتية الضعيفة إلى التوترات الدائمة في الاتحاد الرياضي وشبهات الفساد إلى التعويضات المالية الضعيفة والمحسوبيات في الترشيح للبطولات. ويبدو من الطبيعي أن تنتقل معظم هذه الأمراض إلى الرياضات الخاصة التي تحتاج إلى دعم أكبر في التجهيزات وصالات التدريب، مثل وجود ممرات خاصّة بالمعوقين وملاعب خاصة بالكراسي ومترجمي إشارة وأخصائيين اجتماعيين. فالمدربون معظمهم متطوعون وغير متخصصين بتدريب ذوي الإعاقة.
يقول أحد المدربين الذي فضل عدم الكشف عن نفسه: “ليست المشكلة في الاهتمام باللاعب السليم أكثر من اللاعب ذي الإعاقة، فهذا قد يكون مفهوماً، لكن أن تكون النظرة المسيطرة من قبل الإدارات قائمة على الشفقة والتعاطف وليس على فهم طبيعة الرياضات الخاصة فهذا غير مبرر”. ويشير إلى أنه حتى التغطيات الإعلامية تكون خجولة وخاطفة متحدياً وجود أي تعريف أو مقابلات مع المشاركين أو حتى الفائزين في بطولة برلين الأخيرة.
وبحسب عدد من الرياضيين من ذوي الإعاقة فهناك فروقات كبيرة في الحوافز المالية والرواتب بين الرياضيين السليمين والرياضيين ذوي الإعاقة، ويتم تجاهل المصاريف الإضافية التي يضطر لدفعها ذوو الإعاقة مثل عدم قدرتهم على استخدام المواصلات العامة، واضطرارهم لاستئجار سيارات الأجرة في ظلّ أزمة ارتفاع أسعار المحروقات كما أن بعضهم يضطر للدفع إلى مرافقه أو تعيين مدربه الخاص. ويشير هؤلاء إلى حقيقة أن مشاركاتهم الخارجية غالباً ما تكون عبر دعوات خارجية (منح دولية) ودون أن يتكلف الاتحاد الرياضي أي مبلغ، سوى تنظيم وتأمين معسكرات التدريب وهو ما لا يحصل دائماَ.
أحد اللاعبين صرح بأن معظم اللاعبين من ذوي الإعاقة يحصلون على دعم عائلي كبير مادياً واجتماعياً ومن الصعب أن تجد لاعبين من الطبقة الفقيرة لأن دعم هذه الفئة لا يأتي بشكل مؤسساتي وإنما بجهود فردية.
ومن المفترض أن كل الجهود ستتوجه اليوم إلى تحقيق اللاعبين نتائج جيدة وأرقام تمكنهم من التأهل للحدث الأهم وهو بارالمبك باريس 2024، إضافة إلى تحقيق الأرقام المطلوبة للمشاركة في الدورة الأسيوية التي ستقام في الصين في بداية الشهر العاشر، لكن هناك تخوفات من التخبط في إدارة اتحاد الرياضات الخاصة والذي تغيرت إدارته أربع مرات في ثلاث سنوات، إضافة إلى قرار الاتحاد الرياضي العام مطلع هذا العام حل اتحاد الرياضات الخاصة وإعادة تشكيله، وهو الأمر الذي جاء في لحظة مصيرية أثناء التحضيرات للقاء باريس.