مياس سلمان
كان ﯾوﻣﺎً ﺗﺷرﯾﻧﯾ ﺎً ﻣﺷﻣﺳﺎً داﻓﺋﺎً، وﺣﺻول ﺷﺧص ﻣﺛﻠﻲ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﻌد ﻓﻲ ﺳراﻓﯾس اﻟﻧﻘل اﻟﻌﺎﻣﺔ ﯾﻌﺗﺑر ﻛﺎﺑوﺳﺎً ﻣﺿﻧياً ﻧﺗﯾﺟﺔ اﻻﻛﺗظﺎظ اﻟﻛﺛﯾف ﻓﻲ وﺳﺎﺋل اﻟﻧﻘل اﻟﻌﺎﻣﺔ. ﻛﻧت وﻗﺗﮭﺎ ﻣﺗﺟﮭﺎً ﻣن اﻟرﯾف إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﻷﻣر ﺿروري ﻋﻧدﻣﺎ ﺣن ّ ﺻﺎﺣب اﻟﺳرﻓﯾس، اﻟذي ﯾﻌرﻓﻧﻲ ﻣﻌرﻓﺔ ﺷﺧﺻﯾﺔ، ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻲ. ﻟﻘد ﻋرف ﻣن ﺣرﻛﺗﻲ اﻟﻣﺗﺛﺎﻗﻠﺔ أﻧﻧﻲ ﻟن أﺳﺗطﯾﻊ اﻟﺟري ﻟﻠﺣﺎق ﺑﻣﻌﻘد ﻋﻧدﻣﺎ ﻧده ﻟﻲ “ﺗﻌﺎ ﺷﺎﯾﻠك ﻣﻘﻌد ﻣن ﻗدام ﺗﻌﺎ اﺟﻠس ﺟﻧﺑﻲ”. ﻋﺎدةً، ﻛﺎن ﯾﺟب أن أﻧﺗظر ﻣرور ﺳرﻓﯾس أو اﺛﻧﯾن أو ﺛﻼﺛﺔ ﺣﺗﻰ ﺗﺧف زﺣﻣﺔ اﻟﻧﺎزﻟﯾن إﻟﻰ اﻟﻣدﯾﻧﺔ ﺻﺑﺎﺣﺎً ﻓﺄﺣﺻل ﻋﻠﻰ ﻓرﺻﺔ اﻟﺻﻌود. ﻛم ﺷﻌرت وﻗﺗﮭﺎ ﺑﺎﻟراﺣﺔ واﻷﻣﺎن ﻟدرﺟﺔ أﻧه ﻋﻧدﻣﺎ دﻓﻌﻧﺎ اﻷﺟرة أﻋطﯾﺗه زﯾﺎدة وﻗﻠت ﻟه ﻣﻣﺎزﺣﺎً ھذه ﺿرﯾﺑﺔ رﻓﺎھﯾﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﻠوﺳﻲ ﻓﻲ ﻣﻘﻌد ﻣرﯾﺢ.
اﻧطﻠﻖ اﻟﺳرﻓﯾس وﻛﺎن ﻋﻠﻲﱠ أن أﺑدو ﻟطﯾﻔﺎً وأﺳﻠﻲ ﺻﺎﺣب اﻟﺳرﻓﯾس ﺣﺗﻰ ﻧﺻل اﻟﻣدﯾﻧﺔ، وأﻧﺎ ﻣﻣﺗن ﻟﻠﻣﻌروف اﻟذي ﺻﻧﻌه ﻣﻌﻲ . ﻛﺎن اﻟﺟو ﻣرﯾﺣﺎً ﺗﺧﻠل اﻟﺣدﯾث ﺑﻌض اﻟﺿﺣك واﻟﻣزاح وﺑﻌد رﺑﻊ ﺳﺎﻋﺔ ﺗﻘرﯾﺑﺎً ﺗوﻗف ﺻﺎﺣب اﻟﺳرﻓﯾس ﻋﻧد ﺑﺎﺋﻊ ﻗﮭوة وﺳﺄﻟﻧﻲ ﻛﯾف ﻗﮭوﺗك؟
ﻗﻠت ﻟﮫ ﻋﻠﻰ اﻟﻔور: ﺷﻛراً ﻻ أرﯾد ﻟﻘد ﺷرﺑت ﻓﻲ اﻟﺑﯾت وﻛﺛرة اﻟﻘﮭوة ﺗﺿرﻧﻲ.
ھو ﻟم ﯾﺻر. وأﻧﺎ ارﺗﺣت ﻟﻌدم إﺻراره. وﻟﻛن ﻛم ﻣن اﻻﻧﻛﺳﺎر ﺣﺻل ﺑﯾﻧﻲ وﺑﯾن ﻧﻔﺳﻲ. ﻛﻧت أﺷﺗﮭﻲ اﻟﻘﮭوة ﻛﺛﯾراً ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﻠﺣظﺔ. ﻟﻛن ﺑﺳﺑب إﻋﺎﻗﺗﻲ، ﯾﺻﻌب ﻋﻠﻲ ّ اﻟﺷرب ﻓﻲ ﻛﺎﺳﺔ ﺑﻼﺳﺗﯾﻛﯾﺔ ھﺷﺔ أو ﻛﺎﺳﺔ ﻛرﺗوﻧﯾﺔ. ﺗذﻛرت ﻣوﻗﻔﯾن ﻣﺗﺷﺎﺑﮭﯾن ﺳﺎﺑﻘﺎً ﺣﺻﻼ ﻣﻌﻲ ﻋﻧدﻣﺎ ﺣﺎوﻟت أن أﺷرب اﻟﻘﮭوة ﻓﻲ ﺗﻠك اﻟﻛﺎﺳﺎت اﻟﺑﻼﺳﺗﯾﻛﯾﺔ، وﻛﺎﻧت اﻟﻧﺗﯾﺟﺔ أن ﺗﻧﺳﻛب اﻟﻘﮭوة ﻣرة ﻋﻠﻰ ﻣﻛﺗب ﺻدﯾﻘﻲ اﻟذي ﻗﺎم ﺑﺗﻧظﯾف اﻟﻣﻛﺗب ﻣﺣﺎوﻻ ً ﺟﻌل اﻷﻣر ﯾﺑدو طﺑﯾﻌﯾﺎ. أﺗذﻛر ﺷﻌوري ﺑﺎﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻹﺣراج. ﻓﻲ ﻣرة أﺧرى، اﻧﺳﻛﺑت اﻟﻘﮭوة ﻋﻠﻰ ﺛﯾﺎﺑﻲ. رﻓﺿت ﺑﻌدھﺎ ﺷرب اﻟﻘﮭوة ﻓﻲ ﻣواﻗف ﻣﺷﺎﺑﮭﺔ ﻛﻌزاء أو ﻓﻲ ﻣﻛﺎن ﻋﺎم، ﻓﺄﻧﺎ أﺣﺗﺎج إﻟﻰ ﻛﺄس زﺟﺎﺟﻲ أو ﻛوب وأن أﻣﺳﻛه بـﻛﻠﺗﺎ ﯾدي ﻛﻲ ﻻ ﯾﺳﻘط ﻣﻧﻲ، وﯾﺟب أن ﯾﻛون ﻏﯾر ﻣﻣﺗﻠﺊ. ﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺷروط ﻟﻔﻧﺟﺎن ﻗﮭوة.
ﺣﺎوﻟت ﺑﻌدھﺎ ﺗﺟﺎوز اﻟﻣوﺿوع وأن ﻧﻛﻣل اﻟطرﯾﻖ ﺑﺎﻟﺿﺣك واﻟﻣزاح ﻣﺣﺎوﻻً أن أﻓﻛر ﺑﺳﻌﺎدة ﻛﯾف ﻛﻧت ﻣﺣظوظﺎً ﺑﺎﻟﺣﺻول ﻋﻠﻰ ﻣﻘﻌد ﺑﺎﻟﺳرﻓﯾس ﺑﺷﻛل ﻣرﯾﺢ وﺑﺳرﻋﺔ ﻟم أﺗوﻗﻌﮭﺎ…
ﺑدأ اﻟﺳﺎﺋﻖ وﻗﺗﮭﺎ اﻹﺷﺎدة ﺑﺎﻹﻧﺟﺎزات اﻟﺗﻲ ﺣﻘﻘﺗﮭﺎ ﻓﻲ ﺣﯾﺎﺗﻲ ﻛﺎﻟﺗﺧرج ﻣن ﻛﻠﯾﺔ اﻟﺣﻘوق واﻟﺣﺻول ﻋﻠﻰ وظﯾﻔﺔ وأﻧﺎ أﺣﺎول اﻻﺳﺗﻣﺎع إﻟﯾـه ﺑﺎھﺗﻣﺎم ﻣﺣﺎوﻻً ﻛﺳب اﻟﻣزﯾد ﻣن اﻟﺛﻘﺔ ﺑﺎﻟﻧﻔس، ﻓﺎﻟﺗﺟﺎرب اﻟﻣرﯾرة اﻟﺗﻲ ﻣررت ﺑﮭﺎ ﻋﻠﻣﺗﻧﻲ أﻻ أﻗف ﻋﻧد اﻟﺧﯾﺑﺎت اﻟﺻﻐﯾرة ﻓﻘد ﺗﺟﺎوزت اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻟﺧﯾﺑﺎت ﻗﺑﻠﮭﺎ أﻛﺑر ﺑﻛﺛﯾر وأﻋﻠم أن رﺣﻠﺔ ﺗﺟﺎوز اﻟﺧﯾﺑﺎت ﻟم وﻟن ﺗﻧﺗﮭﻲ ﻣﺎ دام ﻓﻲ اﻟﺣﯾﺎة ﺑﻘﯾﺔ
ﻓرﺑﻣﺎ ﺣﻘﻘت ﻓﻲ ﺣﯾﺎﺗﻲ اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻹﻧﺟﺎزات اﻟﺗﻲ أراھﺎ أﻣراً طﺑﯾﻌﯾﺎً وﻋﺎدﯾﺎً ﺟداً، ﺑﯾﻧﻣﺎ ﯾراها ﻏﯾري ﻣن أﻓراد اﻟﻣﺟﺗﻣﻊ أﻣراً أﺷﺑـه ﺑﺎﻟﻣﻌﺟزة ﺑﺳﺑب إﻋﺎﻗﺗﻲ، وﻟﻛن ﻣﺎ زﻟت أﻋﯾش ذﻟك اﻟﺻراع اﻟﻧﻔﺳﻲ واﻟداﺧﻠﻲ اﻟداﺋم ﺑﯾن ﻣﺎ ﺣﻘﻘﺗـه ﻓﻲ اﻟواﻗﻊ وﺑﯾن ﻣﺎ ھو ﻏﯾر ﻣﻣﻛن أو ﻗﺎﺑل ﻟﻠﺗﺣول إﻟﻰ واﻗﻊ ﻓرﻏم ﻛل ﺷﻲء ﺳﯾﺑﻘﻰ ﺣﻠﻣﺎً ﺑﺳﯾطﺎً ﻛﺷرب ﻓﻧﺟﺎن ﻗﮭوة ﺑﯾد واﺣدة وھو ﻣﻣﺗﻠﺊ ﺷﻲء أﻗرب إﻟﻰ اﻟﻣﺳﺗﺣﯾل أو ﺿرب ﻣن ﺿروب اﻟﺧﯾﺎل رﺑﻣﺎ ﻟن أﺻل إﻟﯾـه أﺑداً وﻛذﻟك اﻟﻛﺛﯾر ﻣن اﻷﺣﻼم اﻟﻣﻣﺎﺛﻠﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﻣﺛل ﻟﻠﺑﻘﯾﺔ ﻣﺟرد أﻣور ﺑﺳﯾطﺔ ﻋﻔوﯾﺔ.
هي تفاصيل صغيرة ولكنها معاناة كبيرة للشخص قد تمنعه كثيراً من الاستمتاع بالحياة إن لم يملك الحصانة النفسية الكافية لمواجهة وعدم الاكتراث بالمحيط الخارجي