الإرادة

نقص السمع “يهدد” أطفال حلب.. والكشف المبكر علاج غير مكلف يمنع الإعاقة السمعية والنطقية

حلب- رحاب الإبراهيم

رغم تأخر نطق “حسين” الطفل ذي الأربع سنوات، لكن ذلك لم يكن إنذاراً كافياً لاتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع إصابته بإعاقة سمعية قد ترافقه طيلة حياته. بعد نصيحة من إحدى الممرضات في العيادات الطبية المتنقلة، أجرى الكشف السمعي، لتأتي النتيجة صادمةً لعائلة حسين ولوالدته لمياء حافظ، فحسين مهدد بحرمانه من حاسة السمع والنطق أيضاً بسبب التأخر في المعالجة. تقول الوالدة لـ”إرادة” عند لقائها في مركز صلاح الدين بحلب: لحظت أن لسانه ثقيل ولا ينطق بأي كلام لكنه “شقي”، لذا ظننت أنه لا يعاني من مشكلة صحية وأنه سيتكلم حينما يكبر، وتضيف بحرقة: قد يصبح ابني “أصم” وأبكم بسبب إهمالي، لكن القائمين على برنامج الكشف السمعي أخبروني بإمكانية تفادي ذلك، حيث حول إلى مشفى الرازي لتلقي العلاج المناسب منعاً لإصابته بإعاقة سمعية وكلامية”.

الأمر ذاته تؤكده “فاطمة أجو” والدة الطفل محمد الذي لم يتجاوز عامه الأول، حين جاءت به إلى المركز الصحي من أجل تلقي اللقاح، لكن “المثقف الصحي” أخبرها بضرورة إجراء المسح السمعي أولاً، فتقول: اضطررت إلى ولادته قبل أوانه، ما أثر على صحته، لكن لم أكن أعلم أنه سيعاني من مشكلة في سمعه، إذ تبين بعد إجراء المسح السمعي أنه يحتاج إلى تخطيط جذع للدماغ، وقد يضطر إلى زرع حلزون، وهي عملية مكلفة جداً لا نقدر على تأمين مبلغها الكبير، لذا حول إلى إحدى مراكز الاستقصاء لتقديم المساعدة اللازمة.

تجنب الإعاقة السمعية

نقص السمع يعد المسبب الأول لعدم تطور الكلام عند الطفل، وهو ما تشير إليه الدكتورة ريم الخالد المسؤولة عن برنامج المسح السمعي في حديثها لـ”إرادة”، بتأكيدها أن الهدف من الكشف المبكر عن نقص السمع عند الأطفال الحفاظ على صحتهم وتجنب إصابتهم بأي إعاقة سمعية أو نطقية وخاصة في ظل عدد الولادات الكبير المصابين بنقص السمع.

وتم إطلاق البرنامج الوطني للكشف والتدخل المبكر لنقص السمع لدى حديثي الولادة، في شهر آب الفائت في جميع المحافظات السورية، حيث يقدم المسح السمعي بشكل مجاني، ليحول الطفل بعد ذلك إلى مراكز الاستقصاء في مشفى الرازي أو منظمة آمال عند لحظ أي مشكلة في السمع، سواء باستخدام السماعات أو زراعة الحلزون، التي تعد آمنة وتحديداً عند إجرائها في العمر المناسب.

وبينت الدكتورة خالد أن البرنامج يحاول توعية الأهالي عند القدوم لمنح أطفالهم اللقاح سواء في العيادات المتنقلة أو المراكز الصحية وخاصة فيما يتعلق بحديثي الولادة دون 3 أشهر ليقوموا سريعاً بالمسح السمعي، لكنه يركز أيضاً على الأطفال الأكبر والذين لم يجروا هذا المسح ولديهم عامل خطورة أو يشتبه الطبيب أو الأهل بوجود مشكلة صحية لديهم.

هناك طريقتان للفحص السمعي يمكن استخدامهما:


استجابة جذع الدماغ السمعية الآلية (AABR) – تقيس هذه الشاشة كيفية استجابة العصب السمعي والدماغ للصوت، يتم تشغيل النقرات أو النغمات من خلال سماعات الأذن الناعمة في أذني الطفل، ثلاثة أقطاب كهربائية موضوعة على رأس الطفل تقيس العصب السمعي واستجابة الدماغ.

الانبعاثات الصوتية (OAE) – تقيس هذه الشاشة الموجات الصوتية المنتجة في الأذن الداخلية، يتم وضع مسبار صغير داخل قناة أذن الطفل. يقيس الاستجابة (صدى الصوت) عندما يتم تشغيل نقرات أو نغمات في آذان الطفل.

الشاشتان سريعتان (حوالي 5 إلى 10 دقائق) ، وغير مؤلمة ، ويمكن إجراؤها أثناء نوم الطفل أو الاستلقاء.

 

الأولوية لحديثي الولادة

ولفتت الدكتورة خالد إلى إجراء مسح سمعي لـ712 طفلاً منذ شهر آب الفائت، وبناء على هذا العدد أحيل 38 طفلاً إلى مراكز استقصاء، تبين أن 3 أطفال منهم يعانون من نقص السمع بعد إجراء تخطيط جذع الدماغ، مشيرة إلى أن الأولوية لحديثي الولادة، لناحية تركيب السماعات أو زرع الحلزون، المكلفة جداً ولا يقدر الأهالي على تأمين أرقامها الكبيرة غالباً.

بدورها الدكتورة غدير الهلالي رئيسة برنامج صحة الطفل واللقاح شددت على أهمية المسح السمعي عند حديثي الولادة، بغية تجنب الإعاقة السمعية، التي قد تتطور إلى إعاقة كلامية، مشيرة إلى العدد الكبير من المصابين بنقص السمع، حيث تؤكد الإحصائيات أن كل 3 أطفال من أصل ألف طفل قد تتطور عندهم الإعاقة السمعية إلى نطقية، ومن هنا تبرز أهمية التدخل المبكر للكشف عن نقص السمع وتدارك تداعياته قدر الإمكان في عمر صغير.

نسب مرتفعة

حسب نتائج المسح الديموغرافي الاجتماعي المتكامل المتعدد الأغراض لعام 2018، هناك ربع مليون سوري لديهم مشكلة بالسمع، حيث تشكل الإعاقة السمعية 8% من مجموع الإعاقات. ورغم أن بعض هذه الإعاقات قد تكون مستجدة، نتيجة الحرب أو الشيخوخة، إلا أن السبب الرئيسي يبقى متعلقاً بمشاكل السمع عند الولادة والتي لم يجر تداركها وبقيت دون علاج، حيث تظهر إحصائيات من العام الماضي ولادة أكثر من 3 آلاف طفل في سورية يعانون من نقص السمع، ويحتاج معظم هؤلاء إلى تدخلات طبية كزراعة الحلزون، كما يحتاج الرضع الصم أو ضعاف السمع إلى خدمات الدعم والرعاية والتدخل المبكر لتعزيز النمو الصحي، إذا لم يتم تحديد حالة السمع ، فقد يكون لها آثار سلبية على مهارات التواصل واللغة لدى الطفل، على المدى الطويل ، يمكن أن يؤثر فقدان السمع أيضًا على التحصيل الدراسي للطفل ونموه الاجتماعي والعاطفي