الإرادة

نصف دولار بالشهر لأطفال الشلل الدماغي: المعونة الوحيدة والتي يتعطل صرفها غالباً

لسبب لا يعلمه إلا الله والحكومة السورية، فقد قررت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل منذ عام 2009 إعطاء فئة واحدة من بين جميع فئات الإعاقات مبلغ معونة شهري. هذه الفئة هي الأسر الفقيرة التي لديها أطفال مصابة بالشلل الرباعي، أما مبلغ هذه المعونة “فحدث ولا حرج”. وإذا أردت أن تعرف متى يتم صرف هذه المعونة فهو حسب حاتلة الطقس في  “الخطط الحكومية”.

تعيش مروى مع ابنتيها في إحدى ضيع السويداء، حيث تعاني ابنتها الكبيرة من إصابة بشلل دماغي رنحي مع قدرة على المشي بمساعدة عكازتين، تقول مروى أن حالة ابنتها التي ربما تكون أفضل من غيرها تضعها ضمن الفئة الثالثة وبالتالي فإن المبلغ المخصص لها يصل تقريباً لـ1400 ليرة سورية شهرياً، “أقل من ربع دولار”. علمت مروى أن مبلغ الإعانة قد وصل في الشهر الماضي إلى مديرية الشؤون الاجتماعية والعمل في السويداء بعد أن تأخر صرفه حوالي ثمانية أشهر، لكنها مترددة في الذهاب، فإجرة المواصلات قد تكلفها أكثر من إجمالي المعونة في سنة، لكنها أيضاً لا تريد أن تتم إزالة اسم ابنتها من القوائم فربما، “ربما… يقررون رفع المبلغ السنة القادمة أو ربما تحسن سعر الصرف، من مثلنا يعيش على قليل من الأمل”.

لا يوجد أرقام رسمية لعدد إصابات الشلل الدماغي في سورية. الإحصاءات المتوفرة تعود لما قبل الحرب، حيث وصل عدد الأسر التي تم الموافقة على تسجيلها كي تحصل على المعونة حوالي 17 ألف أسرة عام 2009 علماً أن الأسرة تتلقى معونة واحدة، حتى لو كان لديها أكثر من طفل مصاب.

بدأ هذا البرنامج بشكل فعلي عام 2010 بصرف الإعانات المالية لمصابي الشلل الدماغي الذين ترعاهم الأسر الفقيرة في مختلف المحافظات السورية عملاً بالقانون رقم 34 الخاص بالإعاقة لعام 2004 الذي أجاز صرف إعانة شهرية لرب الأسرة الذي يتولى رعاية أشخاص من ذوي الإعاقة. مع ذلك تقول وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أنها غير مجبرة قانونياً على دفع رواتب ثابتة لأن “التعليمات التنفيذية للقانون 34 تقول ان هذه المعونات تقدم وفق الاعتمادات وليست مساعدات شهرية” حسب تصريحات سابقة لمسؤولين في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.

توقف وتعثر هذا البرنامج خلال السنوات السابقة، وفي كل عام، يتكرر نفس السيناريو حيث يتأخر الصرف عدة أشهر ثم يأتي وقد أسقط “سهواً” أو ربما “قصداً” من حسابات المعونة بضعة أشهر إضافية، وكثيراً ما تم صرف المعونة متأخرة عاماً كاملاً وقد توقف صرفها في معظم المحافظات لسنوات أيضاً، دون أن تقدم الوزارة المسؤولة أي شرح أو تبرير أو كشف واضح للميزانيات المعتمدة في هذا الشأن. ولا تملك هذه الأسر من أمرها شيء سوى أن تقبل ما يعطى لها كأنه “هبة” في وقت هو حق وهو تنفيذ للقانون.

الغريب أن كل الأسعار والرواتب والتكاليف ارتفعت خلال هذا العقد أضعافاً مضاعفة فيما بقيت المعونة “مكانك راوح”. يبدو أن الزمن توقف لدى المسؤولين الذين يقررون أن يمنوا على هذه الأسر بهذه المبالغ التي أقل ما يقال عنها أنها مضحكة، فيما تستمر حياة المصابين بأوجاع وهموم تجعل مثل هذه المعونات “إهانة” كما يقول إياد المصاب بشلل دماغي أفقده القدرة على المشي، كما يسبب له حركات غير إرادية حيث لا يستطيع السيطرة على حركة أطرافه، مضيفاً أنه يتمنى أن يقول للمسؤولين “ردوها عجوعتكم” لكنه يعرف أن هذا المبلغ قد يكون “بحصة” تسند حياة بالنسبة للبعض. أما منيرة فتقول لنا أنها ستذهب بكل الأحوال لاستلام مبلغها الذي يصل إلى 45 ألف ليرة متراكمة على مدار سنة كاملة، ورغم أنه قد لا يكفي لشراء “فروج واحد” لكنه قد يساعدها لشراء عشرين “حفاض” لابنتها المصابة بشلل دماغي مترافق مع وجود إعاقة ذهنية.

في هذا السياق يؤكد الأستاذ مدين تفاحة أمين المجلس الفرعي للإعاقة في طرطوس أن المبلغ زهيد جداً وسقفه خمس وأربعون ألف في العام للإعاقات الشديدة (أي ما يعادل كقيمة أقل من أربعة دولار) وهو لا يكفي ثمن كيس واحد من حفاضات العجزة وبعض الأسر تحصل على أقل من هذا المبلغ مما أدى لعزوف الكثير من الأسر للمطالبة فيه .

ورغم ارتفاع سعر الأدوية بنسبة قاربت الـ 500 بالمئة لبعض الأنواع، ورغم ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل كبير جداً، إلا أن معونة الشلل الدماغي لم تطلها تلك الارتفاعات كما يبدو، وهي بوضعها الحالي لا تكفي ثمناً لمستلزمات الأطفال المصابين الأساسية، دون احتساب الأدوية والرعاية والتعليم الخاص المكلفة جداً.

وينتج الشلل الدماغي عن إصابة جزء من الدماغ في مرحلة مبكرة من الحياة قبل أو أثناء أو بعد الولادة مما يؤثر في قدرة الطفل على الحركة والحفاظ على التوازن، كما قد يعاني من اضطرابات مرافقة مثل الإعاقة الذهنية، النوبات، مشكلات في الرؤية أو السمع أو الكلام، تغييرات في العمود الفقري مثل الجنف، أو مشكلات في المفاصل مثل التقلصات. وهو أكثر أنواع الإعاقات الحركية شيوعاً في مرحلة الطفولة.‏

ويشير بعض الخبراء أن أعداد الإصابات بالشلل الدماغي زادت خلال سنوات الصراع والحرب في سورية، حيث أن نسبة كبيرة من الإصابات به تكون نتيجة عدم توافر ظروف صحية للحوامل وأثناء الولادة مثل الانتانات أثناء الحمل، الولادات المتعثرة أو الاختناق ونقص الأكسجة وعدم وجود حاضنات للخدج. وهي عوامل زادت خلال السنوات الماضية بشكل كبير حيث تأثرت المرافق الصحية في جميع أنحاء سورية وتناقصت جودة الرعاية أثناء الولادة. فقد دفعت أكثر من عشر سنوات من النزاع المسلح الخدمات العامة الأساسية في سوريا إلى حافة الانهيار التام. أول من دفع ثمن هذه التأثيرات، هم، وكما دوماً، الفئات الأكثر هشاشة: الأمهات والأطفال.