في ظل أجواء من الحرية السياسية لم تعهدها ساحات دمشق منذ أكثر من نصف قرن، احتشد مئات السوريين يوم أمس الخميس في ساحة الأمويين تلبية لدعوة أطلقتها صفحة على وسائل التواصل الاجتماعي، تدعى “تجمع الشباب المدني” وقالت إنها “اجتماع لمناقشة الحراك المدني والشعبي وأهميته في المرحلة القادمة في سوريا”، بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وأكد منظمو اللقاء أن تجمعهم يدعو إلى “بناء سوريا مدنية جديدة لكل السوريين على اختلاف معتقداتهم وانتماءاتهم” وأن اللقاء ليس موجها “ضد أي جهة أو شخصية، وليس اعتصاما أو مظاهرة، بل هو مساحة للتواصل بين الشباب المدني السوري، ووضع خطة مستقبلية للحراك المدني السلمي على الأرض”.
وتحدث بعض من حضروا التجمع لمنصة إرادة حول دوافع خروجهم وتطلعاتهم للمرحلة المقبلة في سوريا، التي يأملون أن تكون دولة قانون وألا يتم إقصاء أي جهة أو طرف وطالب الكثيرون بأن يكون شكل الدولة القادم مدني قائم على مبدأ الشراكة الحقيقية ويضمن حقوق الجميع، بما في ذلك المرأة، في الحياة العامة والسياسية، وأن تكون الحريات مكفولة، وأن يكون الجميع سواسية أمام القانون، بعيداً عن أي تمييز ديني أو طائفي.
وفي مشهد لم يعتد عليه السوريون، تحدث عشرات عبر مكبرات الصوت مخاطبين المئات ممن غلبت عليهم شريحة الشباب مطالبين بـ”مؤتمر وطني لتشكيل لجنة من الكفاءات السورية لكتابة دستور ديمقراطي مؤسساتي يضمن حقوق المواطن، ويعزز دور المواطنة”، بهدف “الوصول إلى دولة قانون تحمي حقوق المواطنين كأفراد، بناء على المواطنة دون تفرقة مبنية على أساس الجنس أو العرق أو الدين أو الطائفة”. وكان موضوع المرأة حاضراً بشدة سواء في الهتافات أو اللافتات التي تم رفعها، والتي طالبت بضرورة وجود دور فاعل للنساء في العملية السياسية.
وعبر كثيرون عن فرحتهم بأنهم يستطيعون، وربما للمرة الأولى في حياتهم، الخروج للشارع والتعبير عن رأيهم وهو ما لم يكن متاح في ظل القبضة الأمنية التي سيطرت على البلاد لأكثر من خمسة عقود. وكانت هناك تخوفات أن يتم منع التجمع من قبل إدارة العمليات العسكرية، لكن وفي خطوة مفاجئة، قام بعض شبابها بالتحدث مع المتظاهرين والحوار حول مطالبهم وسط تطمينات أن “القادم أفضل”.
ولم يمضِ على سقوط نظام الأسد سوى 12 يوماً، وبينما لا تزال الاحتفالات مستمرة بنهاية حقبة طويلة من الظلم والاستبداد، ما زال الآلاف يبحثون عن أحبتهم وسط حالة من الحزن والحداد على القصص المؤلمة التي تتكشف كل يوم من المعتقلات والسجون.
ووسط حالة من الفوضى في إدارة شؤون البلاد لدى السلطة الجديدة، بدأ القلق يتسرب إلى البعض حيال الشكل الجديد للدولة السورية وسط تخوفات أن يسيطر التشدد الديني على المشهد القادم. وفيما وصف البعض هذا التجمع بـ“الطابور الثالث” لاستعجاله في التشكيك وانتقاد السلطة الجديدة، يرى آخرون أنه يعبر عن حقبة جديدة يستطيع الجميع فيها التعبير عن تطلعاتهم واختلافاتهم بحرية.
وعرف “تجمع الشباب المدني” عن نفسه بأنه مساحة توحد السوريين المطالبين بسوريا مدنية وفرصة للحوار والاقتراحات للحراك المدني. وحدد التجمع الخطوط العريضة للافتات وطالب التقيد بمضمونها وهي “نعم للحوار الوطني”، “الدستور أولاً”، “سوريا مدنية ديمقراطية”، “لا لإعادة تدوير الفساد”، و”سوريا لجميع السوريين”.