في الطريق إلى جمعية الشباب توقفنا للسؤال عن المكان تحديداً ولم أتوقع أن يكون السؤال مربكاً لهذه الدرجة، كنا قد وصلنا إلى منطقة دمر البلد ولكن بين ازدحام الناس والمحلات والانتشار العشوائي للافتات والشاخصات كان لابد من سؤال أحد أصحاب المحلات عن الجمعية التي أقصدها فكان أمراً عفوياً وطبيعياً، ولكن غير المتوقع هو حالة الارتباك التي أصابت الرجل الذي سألته، وبعد لحظات من التفكير أجابني بسؤال: أي قسم بالتحديد تريد؟ فقلت له أريد الجمعية!، ثم أعاد سؤاله مرة أخرى، ولم ينتظر مني الإجابة هذه المرة بل استطرد قائلاً: هناك جمعية الشباب في المنطقة الفلانية وجمعية الشباب في المنطقة الأخرى وغيرها وغيرها، فهمت حينها أن الجمعية ليست مبنى واحد ولكن هناك عدة أقسام متفرقة، قلت له: أريد مركز ذوي الإعاقة. فَرِح بوضوح إجابتي وكأنه معلمي عندما كنت في المدرسة الابتدائية، أراد أن يدلني، فكر قليلاً ثم قرر أن يرافقني إليها، فحسب وصفه أنها فوق المجمع الطبي التابع لنفس الجمعية وهو بكل الأحوال كان سيزور هذا المركز لحاجة ما، وبمرافقتي يكون قد ضرب عصفورين بحجر واحد -حسب قوله- أي يقضي حاجته ويوصلني إليها.
ونحن في طريقنا لمركز ذوي الإعاقة فهمت لماذا كان يريد تحديد وجهتنا، فقد مررنا بعدة أماكن عليها لافتات الجمعية، منها مركز لخدمة المواطن كاستلام التبرعات، وآخر يبدو كأنه للمكاتب الإدارية، حتى أننا مررنا “بكرفان” عليه اسم الجمعية، وصلنا لمقصدنا، تركني ودخل المركز الطبي وأكملت أنا إلى مركز جمعية الشباب الخيرية لذوي الإعاقة.
أقسام عديدة وخدمات متنوعة.
تملك اليوم جمعية الشباب الخيرية التي تأسست بتاريخ 1.12.2005 العديد من المراكز الطبية الخيرية والتي وصل عددها لتسعة مراكز، توزعت في المحافظات السورية كطرطوس ودير الزور واللاذقية ودمشق وريفها، تنوعت خدماتها بين الإسعاف و العيادات الشاملة وغسيل الكلى والعمليات الجراحية و تصوير الأشعة والمخابر والأسنان والعلاج الفيزيائي وتوزيع الدواء المجاني، إضافة لعدة “كرفانات” طبية تقوم بعمل الجراحات الصغرى و العمل الإسعافي توزعت في محافظات درعا ودير الزور وحماه وحمص، أما على مستوى الخدمات الاجتماعية فتملك الجمعية اليوم قسماً للأيتام يبدأ من الكفالات النقدية وصولاً للخدمات التعليمية مروراً بالخدمات الطبية والتبرعات العينية والأنشطة والدورات المنوعة للأيتام وذويهم، كما تملك مركز إقامة مؤقتة لأهالي الأطفال المرضى أثناء علاجهم في مشفى الأطفال الحكومي، لدى الجمعية الكثير من المشاريع مع المنظمات الدولية المختلفة، والحملات والأنشطة الخدمية والمجتمعية .مركز تأهيل وتدريب ذوي الإعاقة.
عام 2010 قامت جمعية الشباب الخيرية بدعم الإطار التعليمي والتنموي بافتتاح مركز تدريب وتأهيل ذوي الإعاقة في منطقة دمر البلد، مقدماً كل عام خدماته المجانية لما يقارب المئة طفل من ذوي الإعاقة باختلاف أنواعها وفق تقاريرهم السنوية، ليتم تدريبهم وتأهيلهم بشكل يومي بهدف إعادة دمجهم بالمجتمع. على موقعها الخاص تشرح الجمعية أن تقييم كل حالة من حالات الإعاقة الواردة للجمعية تتم من خلال الملاحظات الأولية وتطبيق (البورتيج (PORTAGE ومقياس القدرات والأداء ليتم استقبال الأطفال ذوي الإعاقة بالحالات التالية (متلازمة داون – نقص أوكسجين – تخلف عقلي – اضطرابات نطق – توحد وطيف توحد – تأخر دراسي – بطيء وصعوبات تعلم – اضطرابات نفسية سلوكية) ثم يتم تقييم الأطفال بجلسة خاصة ووضع البرنامج التأهيلي الذي يتناسب مع كل حالة. رأفت حاج حمود مديرة مركز ذوي الإعاقة في الجمعية تخبرنا عن عمل المركز من خلال عدة نقاط، أولها كان بالجانب التعليمي بوصفه دواماً مدرسياً كاملاً مثل أي مدرسة أخرى، إلا أن المركز يعتمد على كادر من الاختصاصيين والأشخاص المدربين على التعامل مع مختلف الإعاقات.جلسات فردية وجماعية.
تقول مديرة المركز إنهم يعملون مع جميع الأعمار تقريبا كالأطفال والمراهقين والشباب والكبار، ويتم جمع الحالات تبعاً للعمر العقلي وللحالة الطبية وليس العمر الزمني، الحالات المتشابهة تجمع مع بعضها وكل اختصاصية تعمل مع مجموعتها، وهناك الجلسات الفردية للحالات التي لا يمكن جمعها مع حالات أخرى بسبب خصوصيتها كجلسات اطفال التوحد للتواصل والتخاطب، وجلسات اضطرابات وتصحيح النطق، وجلسات تعديل سلوك، ثم يكون العمل مع الطفل بجلسات يومية أو أسبوعية حسب طبيعة الحالة وشدتها واستجابة الطفل. أيضاً هناك جلسات الدعم النفسي لعائلات الأطفال من ذوي الإعاقة قبل البدء بالعمل مع أطفالهم، فأحيانا يكون هناك مشكلات نفسية ناتجة عن وجود طفل من ذوي الإعاقة في العائلة.المناهج الدراسية
تخبرنا الاختصاصية رأفت حاج حمود عن المناهج الدراسية المتبعة في مركزهم أنهم يفضلون نفس مناهج رياض الأطفال الذين لا يملكون إعاقة، وعندما يتجاوز طفل المركز الفئة الأولى والثانية والثالثة من منهاج رياض الأطفال ينتقل لمرحلة المنهاج المعتمد في المدارس السورية الحكومية (الحلقة الأولى ) صفوف الأول والثاني و الثالث الابتدائي، وهكذا كلما تجاوز مرحلة ينتقل للمرحلة التي تليها كما هو حال جميع المدارس، إلا أن الوقت الذي يحتاجه خارج المركز في حال كان مقرراً في عام دراسي واحد ثم يُقيَّم بالنجاح أو الرسوب يختلف هذا الأمر ضمن المركز حيث يأخذ الطالب وقته لإنهاء هذه المرحلة حتى لو احتاجت أكثر من عام، ومجرد أن ينهي هذه المرحلة ينتقل لمرحلة أخرى بغض النظر عن الوقت الذي احتاجه لإنهائها.الأنشطة اليومية.
عن اليوم الدراسي بشكل عام تقول الأستاذة رافت حاج حمود: “نبدأ بتمارين رياضية لتنشيطهم صباحاً، ثم هناك برنامج يحتوي على وسائل تعليمية ومثيرات بصرية لكل حالة وطبيعتها، أيضاً هناك أنشطة وتدريبات يدوية وأنشطة حسية وأخرى حركية كتدريب الرقص حيث شاركنا مؤخراً بعرض فني راقص في مدينة الشباب والذي لاقى إعجاب الجمهور، كما أن المركز ينظم أنشطة خارج المركز بالنادي الرياضي كالأيروبيك وكرة القدم إضافة لنزهات ورحلات جماعية، ونقوم بدعوة الأهالي حيث أننا نفضل وجودهم ليشعروا أننا معهم ونقف بجانبهم، فجمعية الشباب إضافة للخدمات المتنوعة تقدم محبة ورعاية نفسية”.ثقافة الدمج.
تضيف حاج حمود أن الأنشطة الخارجية ليست بهدف الترفيه وحسب، بل هي إضافة لذلك جزء من خطة الدمج التي يعمل عليها المركز، لذلك يتم تنظيم أنشطة خارجية، كاصطحابهم إلى الملاعب أو مراكز التسوق والأماكن التي تشهد نشاط اجتماعي، وتوضح حاج حمود الأمر بأنه لمصلحة الطرفين، أولاً لمصلحة الأطفال وتعريفهم على العالم الخارجي، وثانياً أن ثقافة الدمج هي ثقافة اجتماعية يجب تعزيزها عند أفراد المجتمع، لتكون نظرتهم لصاحب الإعاقة كنظرتهم لباقي المجتمع دون تمييز أو صور نمطية عن عدم معرفة، وبذلك يتم تجنيب ذوي الإعاقة وأسرهم من ما يحصل عادة من الإصابة بأذى نفسي جراء النظرة المغلوطة لهم .قصص نجاح ومتابعة مستمرة.
يبدو السرور واضحاً على وجه مديرة مركز ذوي الإعاقة في جمعية الشباب الخيرية وهي تروي لنا قصص نجاح لطلاب من المركز، ومنها قصة شاب تفوق في مسابقة مكعب الروبيك على المدرب الذي لا يملك إعاقة خلال مدة 44 ثانية، أيضاً ذكرت قصص نجاح بالأشغال اليدوية، والرسم والفنون، وغيرها. بعض هذه القصص -حسب قولها- تجاوزت منظور الإعاقة ووصلت للالتحاق بمدارس الدمج في العليم العام التي تملك (غرفة مصادر)، وبالمتابعة مع هذه المدارس التي استقبلت الحالات لاحظ القائمون أن التعامل معهم جيد جداً من حيث التواصل والتفوق الدراسي، بل أنهم يملكون من الالتزام والمثابرة ما لا يملكه غيرهم. أما عن طبيعة الحالات التي تخرجت من المركز لتلتحق بالمدارس العامة فقد تنوعت بين التوحد ومتلازمة داون والتخلف العقلي وحالات أخرى.النظرة الإيجابية ومهمة الأهل.
يتعلق الطلاب بمركز تأهيل وتدريب ذوي الإعاقة لدرجة أنهم يتذمرون من يوم العطلة بل ويحاولون الذهاب إلى المركز خلالها، هذا ما قالته مديرة المركز وأضافت أن الأهالي تواصلوا عدة مرات مع الإدارة لإيجاد حل كأن تلغى العطلة مثلاً، وتعزي حاج حمود هذا التعلق إلى التعامل الإنساني والاحتضان الذي يجده ذوي الإعاقة في مركزهم، وبأنه كلما زاد الاهتمام زاد التعلق، متمنية أن يجتاز هذا الأمر باب المركز وينتشر في كل المجتمع، وأن تكون النظرة الإيجابية اتجاههم هي الأساس، فقد لاحظت إدارة المركز شعور أغلب أُسَر ذوي الإعاقة بالألم مرده لنظرة الشفقة التي ينظر بها بعض الأشخاص لأبنائهم، إضافة لكثرة السؤال للأهل عن حالة طفلهم، لتعود حاج حمود وتؤكد على فكرة الدمج كحل لهذه المشكلة قائلة : “في المركز لدينا أطفال بدون إعاقة لأجل هذه الفكرة، طفل بدون إعاقة مع أطفال ذوي الإعاقة والنتيجة طبيعية تماماً، حتى الأهل أنصحهم بعدم معاملته معاملة تختلف عن الآخرين كثيراً فلا يجب أن يكون هناك إفراط في دلال زائد ولا تحميله جهد كبير، بل حاله كحال الأطفال بدون إعاقة”. لا عجب أن تهتم مديرة المركز بتوجيه الملاحظات للأهل كل ما سنحت لها فرصة، فالاهتمام والرعاية التي يتلقاها ذوو الإعاقة من المركز جعلت بعض الأهالي يتَّكِلون على ذلك ليتناسوا دورهم الأساس في هذه الرعاية، وهو أمر تعتب فيه مديرة المركز على الأهالي حيث أخبرتنا بحادثة حصلت من مدة سببها إهمال الأهل وعدم متابعتهم لابنهم، وذلك حين صادف يوم عطلة رسمية أحد أيام الدوام، فأخبرت مديرة المركز بذلك جميع الأهالي من خلال مجموعة التواصل على السوشال ميديا، كما كتب المدربون هذه الملاحظة على دفاتر أطفالهم، إلا أن والدة احد الأطفال لم تكن متابعة للمجموعة ولم تفتح دفتر ابنها، فما كان منها إلا أن أوصلت طفلها لمدخل المركز لتتركه يصعد الدرج لوحده وتعود، الطفل الذي وجد الباب مغلقاً أمامه لم يكن لديه خيار سوى الانتظار أمام باب المركز، لحين صادفه أحد المارّة الذي يعرف المركز فاتصل بالمديرة لتأتي مسرعة إليه وتتصل بوالدته لتعود من أجله. ما ذكرته مديرة المركز من شأنه أن يصيب المركز أو أي عامل في شأن ذوي الإعاقة بالإحباط، فاعتماد الأهل على المركز بشكل كلي وعدم متابعتهم لأطفالهم يضع كل الجهود المبذولة في مهب الريح ويفرغها من كل فائدة أو تطور مرجو، فالعناية بالطفل هي حالة تكاملية بين الأسرة والمركز والمجتمع. وكي لا تكون هذه القصة المزعجة هي آخر ما نأخذه من زيارتنا ها هو الرجل الذي دلنا على مركز جمعية الشباب الخيرية عند قدومنا جاء إلى المركز بعد أن أنهى حاجته في المُجَمّع الطبي ليطمئن على وصولنا، الأمر الذي لم تفعله والدة الطفل المذكورة سابقا!، ويرافقنا في طريق العودة، ولكن هذه المرة كان يحمل معه أدوية وصورة شعاعية، ونحن عدنا ومعنا صورة عن مركز تأهيل وتدريب ذوي الإعاقة في جمعية الشباب الخيرية.رابط موقع الجمعية: https://shababcharity.com/
رابط صفحة الجمعية على الفيس بوك:
https://www.facebook.com/Youth.Association.1