الإرادة

في اليوم العالمي للتوعية من خطر الألغام: الرعب المزروع في الأرض يحصد حياة آلاف السوريين

بينما كانا الطفلان 8 سنوات، ريــاض أســعد الحــدري العليــوي الحســن، ســياف محمــد الخضــر العليــوي الحســن يلعبان قرب بلــدة الدويــر في ديــر الــزور، انفجر بهما لغم فقتلهما وأصاب صديقهما معتصم بجروح خطيرة، بينما قتــل الطفــل عيســو رحمــو عرابــو (14 عامــاً)، بينمــا كان يرعــى الأغنــام قــرب قريــته باشــمر فــي عفريــن بحلب، وقتل أنــس أحمــد عبــد الكريــم الســعيد أثناء عمله في أرضه في قريــة القاهــرة فــي ســهل الغــاب بحمــاة. لم تكن هذه الانفجارات غريبة عن مسامع السوريين طوال السنوات العشر الماضية، وللأسف لن تكون الأخيرة، فجميع المؤشرات تدل على أن هناك مساحات شاسعة من الأراضي موبوءة ومزروعة بالموت، وأن السوريين يموتون أو يفقدون أطرافهم كل يوم وهم يطؤون لغماً أرضياً.

حدثت هذه الانفجارات الثلاثة في الأسبوع الأخير من شهر كانون الثاني الماضي، لتكون آخر المآسي “المسجلة” للموت المجاني الذي يأتي في سورية بأشكال عديدة لكن ربما يكون اللغم الأرضي أشدها وجعاً لأنه يأتي دون أي إنذار، أو مقدمات. مجرد خطوة أخرى عادية على أرضك قد تكلفك حياتك أو جزءاً من جسدك. يأتي الرعب المزروع في الأرض بينما يكون السوري ظن أنه يستطيع ممارسة حياته اليومية، كأن يعمل في حقله أو يرعى أغنامه أو يلعب مع أصدقائه، وأقنع نفسه أن الحرب قد أخذت استراحة من قتلها السوريين، وفيما لم يعد يسمع أصوات الانفجارات القادمة من السماء، يأتيه الموت المخبأ في التراب، كتذكرة قاسية بالتركة “المشاع” للصراع الدامي.

 

وحسب إحصاءات غير رسمية، لقي 102 شخص مصرعهم بينهم 27 طفلاً وثلاث سيدات، وأصيب 170 مدنياً بينهم 41 طفلاً. ووفقا لبيان صادر عن فريق الأمم المتحدة في سوريا، يُقدَّر أن واحداً من كل سوريين اثنين يعيش في مناطق ملوثة، وأفاد البيان أيضا بأن 12350 حادثة انفجار ذخائر وقعت في سورية من عام 2019 إلى نيسان 2022، بمعدل 5 حوادث يومياً في المتوسط، نتيجة انفجار ألغام أرضية أو ذخائر غير منفجرة.

ولا يوجد أي خريطة لتوزع هذه الألغام في سورية، ولم تعلن حتى الآن أي جهة دولية أو حقوقية تبنيها رسم مثل هذه الخريطة التي قد تمهد الطريق لإزالة هذه الألغام أو على أقل تقدير، توعية السوريين للابتعاد عن أماكن انتشارها. في الوقت نفسه، فإن هذه الألغام لا تبدو مرتبطة أو محصورة بمناطق معينة، بل هي منتشرة بشكل كثيف مقارنة بمساحة سورية الصغيرة. وكمثال، فإن أحدث الانفجارات الأخيرة حدثت في ريف دير الزور الشرقي، الثاني في ريف حلب الشمالي والثالث في ريــف حمــاة الغربــي. من اللافت أن المناطق الثلاث خاضعة لثلاث قوى مختلفة، الجيش السوري، قوات سورية الديمقراطية وهيئة تحرير الشام. المتهمون كثر في كل الحالات لكن الضحايا أكثر بكثير…

ومن صعوبة التحديد الدقيق لعدد الضحايا المصابين نتيجة انفجارات الألغام الأرضية، إلا المرصد الدولي للألغام الأرضية صنف سورية عام 2021 كأكثر بلد سجل أكبر عدد من ضحايا الألغام متقدمة على أفغانستان وكولومبيا.

يُقدَّر أن 12350 حادثة انفجار ذخائر وقعت في سورية من عام 2019 إلى نيسان 2022، بمعدل 5 حوادث يومياً في المتوسط، نتيجة انفجار ألغام أرضية أو ذخائر غير منفجرة.

فريق الأمم المتحدة في سوريا


حتى الآن، تم توثيق مقتل ما مجموعه 3353 مدنياً، بينهم 889 طفلاً، بسبب الألغام الأرضية المضادة للأفراد في سورية منذ عام 2011، حسب ما كشفت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر بمناسبة اليوم العالمي للتوعية بالألغام في الرابع من نيسان، مؤكدة أن الألغام الأرضية تلوث مناطق واسعة من سورية، مما يهدد حياة مئات الآلاف من السوريين، ليس الآن فقط، وإنما لأجيال قادمة.

وحسب التقرير، هناك تحديات وصعوبات تواجه تحديد المسؤولية عن الوفيات والإصابات والتي تشمل حقيقة أن معظم أطراف النزاع يستخدمون هذه الأسلحة. ومع مرور الوقت، وتغير سيطرة الأطراف على المناطق التي توجد بها الألغام الأرضية، لم يكشف أي من أطراف النزاع عن خرائط توضح المواقع التي زرعوا فيها الألغام الأرضية.

تعرف الذخائر المضادة للأفراد بأنها نوع من الذخيرة المصممة ليتم تثبيتها فوق الأرض أو تحتها، والتي يتم تشغيلها وتفجيرها عندما يلمسها شخص أو مركبة. والألغام المضادة للأفراد محظورة بموجب اتفاقية حظر استعمال وتكديس وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد التي اعتمدت في عام 1997..

تنتشر الألغام وبقايا الذخائر العنقودية في جميع أنحاء سورية، مما يجعلها تهدد حياة الملايين، أولاً وقبل كل شيء الأطفال الذين قد لا يميزونها أو يعرفون خطرها أثناء الاقتراب منها، أو حتى اللعب بها. وقد تسببت في إصابات خطيرة للمدنيين، حيث تعتبر من أهم أسباب فقدان الأطراف التي زادت بشكل مرعب منذ بدء الصراع الدامي في سورية حيث اضطر 86 ألف سوري، حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية، إلى بتر أطرافهم وتركيب الأطراف الصناعية إضافة إلى برامج إعادة التأهيل والدعم.

تم توثيق مقتل ما مجموعه 3353 مدنياً، بينهم 889 طفلاً، بسبب الألغام الأرضية المضادة للأفراد في سورية منذ عام 2011.

الشبكة السورية لحقوق الإنسان


للأسف، فإن حقيقة أن الألغام لا تزال تسبب وفيات وإصابات أسبوعية حتى اليوم رغم انخفاض وتيرة العمليات القتالية، تؤكد على أن خريطة انتشارها أكبر من التصور السائد مسبقاً، وهذا يشير أيضًا إلى أن العديد من الألغام الأرضية المزروعة في العديد من المناطق في سورية لم يتم اكتشافها بعد.