فطمة عجم أوغلي..حارسة الرجاء و أيقونة العمل الإنساني في حمص

بدأت قصة السيدة فطمة عجم أوغلي حين ولدت طفلة أسمتها هزار، والتي أصيبت بالشلل الدماغي، وكأي أم فوق البسيطة، سكن الحزن قلب الأم فطمة، حزن ممض وقاس, فمن أقسى ما يعانيه المرء في حياته أن يكون ولده في حالة مرضية لا شفاء لها، والكثير من الأهل يستسلمون للفاجعة التي أصابت الأسرة بأولادهم، فمنهم من ينتظر رحيلهم، ومنهم من يسعى سعياً محموماً لشفاء أولادهم باذلين الجهد والتعب والمال في سبيل تحقيق الشفاء أو بعض التحسن في صحة أولادهم، لكن خلاصهم هنا يبقى فردياً، سوى السيدة فطمة عجم أوغلي التي كان صليبها الذي حملته ودرب جلجلتها ليس فردياً، لقد أرادت أن يكون سعيها لجميع الحالات التي تشبه الحالة الصحية لابنتها هزار.
كانت البداية من معهد التنمية الفكرية الذي يتبع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، عملت فيه لتقدم خدماتها لابنتها وللآخرين، ثم أصبحت مديرة للمعهد، واكتشفت آلاف الحالات التي تشبه حالة هزار، وأدركت أن إمكانيات الحكومة لا تكفي لتقديم الرعاية للأطفال من ذوي الإعاقة، مالم يكن ثمة تعاون جدي وحقيقي مع المجتمع الأهلي فولدت فكرة إنشاء أو تأسيس جمعية أهلية لرعاية الأطفال المصابين بالشلل الدماغي وذلك عام 1985، ولم يكن من السهولة بمكان الحصول على ترخيص رسمي لإنشاء هذه الجمعية لأسباب عديدة، لقد استمر السعي والمطالبة وشرح الأسباب الموجبة للتأسيس، لمستويات عديدة من المسؤولين لأهمية وجود هكذا جمعية حتى عام 1993، وهو عام تأسيس “جمعية الرجاء لرعاية الأشخاص ذوي الإعاقة وذوي الاحتياجات الخاصة” وقد أشهرت بالقرار رقم 847 لعام 2011.

كل البدايات تبدأ صعبة، لكن الجهد المفعم بالحب والعمل الدؤوب المخلص يذلل كل الصعوبات، فمن عقار صغير بدأت الجمعية عملها، ثم في عام 2005 وزعت بلدية حمص مشكورة أراض بمساحات كبيرة على الجمعيات والنقابات، وحصلت جمعية الرجاء على قطعة أرض واسعة في منطقة الوعر، تم البناء عليها، من أموال النبلاء من أهل المدينة لكن الحرب المجنونة دمرت أجزاء واسعة من المكان، وأعيد بناء وتأهيل الطابق الأرضي والأول، ليستقبل 200 طفل وطفلة من المدينة وريفها تقوم برعايتهم الجمعية، من خلال كادر رائع من المشرفين الاختصاصيين والموظفين والعاملين في الخدمات ومن خلال حوالي 80 شاباً وفتاة من المتطوعين، إلى جانب أن الجمعية تقدم مساعدات مالية سنوية سخية لحوالي 6000 آلاف من المحتاجين من كافة صنوف الإعاقة وممن لم يبلغوا الـ 18 عاماً من العمر.

ورغم أن رحيل هزار ترك في قلب فطمة الأم غصة مؤلمة، إلا أنها زادت إصراراً على تقديم خدمات جليلة لذوي الاحتياجات الخاصة، فلم يقتصر عمل الجمعية على رعاية المصابين بالشلل الدماغي بل اتسعت رعايتها لتشمل فئات أخرى، كمرضى داون، واضطراب التوحد، والإعاقة العقلية، وافتتحت روضة أسمتها عبير الياسمين بموافقة مديرية التربية الحكومية، انتسب إليها أطفال أصحاء تماماً، بهدف دمج الأطفال أصحاب الإعاقات والأطفال الأصحاء، والعكس صحيح، وافتتحت قسماً للتدريب المهني، لتعليم من يمكن تعليمه وتأهيله ليتعلم حرفة أو مهنة يحبها، وأسمت هذا القسم باسم ابنتها الراحلة: “هزار لاند للتدريب المهني” وثمة قسم آخر للتعليم تدرس فيه مناهج وزارة التربية للصفين الأول والثاني الابتدائي، هذا عدا عن الأقسام الأخرى مثل: قسم التوحد- قسم المونتيسوري، وهو قسم يعنى بالنشاط الذهني عن طريق اللعب والألعاب الهادفة- قسم المعالجة الفيزيائية ويقدم خدماته لأطفال الجمعية ولمن شاء من المحتاجين للمعالجة الفيزيائية من المواطنين وبالمجان- ثم ثمة قسم إتقان المهارة وصالة رياضية لذوي الإعاقة.
رحلت هزار، لكن قلب السيدة فطمة عجم أوغلي، أيقونة حمص، اتسع ليحتوي كل معوق، لقد صار لدى السيدة عجم أوغلي عشرة ألاف هزار، تمنحهم الحب والرعاية والأمان.