الإرادة

عبد الرحمن.. طفل داون الذي حوّل اختلافه لحكاية إبداع

دمشق- سالي عج

يرسم عبد الرحمن قصة نجاحه بالتحدي ، فمتلازمة داون التي جعلته مختلفاً عن أقرانه، لم تمنعه من تحقيق إنجازات قد يعجز الأصحاء من أبناء جيله عن تحقيقها، وكما أن في الجسم الصحيح قوة، ففي الاختلاف تميز وإبداع

لم تكن نصيحة طبيب الأطفال المختص “لأم عادل” والدة عبد الرحمن عابرة، والجملة الأولى التي وقعت على مسمعها عندما علمت أن طفلها مصاب “بمتلازمة داون” كانت مفتاحاً لدعمه وأسلوباً اتبعته في تربيته.

تروي السيدة الأربعينية بداية اكتشاف إصابة ابنها بمتلازمة داون “لم يكن هناك أي أعراض تشير إلى أن مولودي يعاني من مرض ما، لكن شكل عينيه كان مختلفاً عن عيون أخوته، ما دفعنا إلى زيارة الطبيب لمعرفة سبب ذلك، فأخبرنا أنه مصاب بمتلازمة داون”.

تقول الأم: “في تلك اللحظة لم يخطر في ذهني سوى سؤال واحد، “كيف أتعامل معه؟” فأجاب الطبيب: بشكل طبيعي كأي طفل عادي، ورافقتني تلك العبارة طوال الخمس والعشرين عاماً، فلم أشعر يوماً أن لدي طفل داون أو أنه مختلفاً عن أخوته، بل العكس تماماً كان أكثرهم تميزاً”

وتتحدث أم عادل عن تميز ابنها بفرحٍ بائن في نبرة صوتها ولمعة عينيها، فتقول: في عمر الخمس سنوات خطا عبد الرحمن نحو أول خطوة للتعبير عن نفسه في عالم الرياضة، “طالما أنه لم يستطيع أن يتفوق في مجال الدراسة”، فاختار السباحة بداية لطريقه.

تبتسم وتعود بمخيلتها مستذكرة اللحظة الأولى لطفلها وهو يسبح قائلة: كانت فرحتنا أنا ووالده لا توصف عندما رأيناه يسبح لأول مرة بمفرده، كان يتحرك في الماء دون مساعدة من أحد، شأنه شأن الأطفال السليمين.

وتكمل: استمر عبد الرحمن بالسباحة حتى سن الخامسة عشر، لكن نصيحة أحد مدربي رفع الأثقال، فتحت أمامه مساراً جديداً ليضع بصمة خاصة به في ميدان مختلف عن السباحة، فتلكما اليدين القادرتين على التماهي مع المياه، كانتا قادرتين أيضاً على رفع الأوزان؛ لاسيما أن شكل جسمه وحجمه يسمحان بذلك.

وكما تدرج عبد الرحمن في رفع الأثقال سار بخطوات متلاحقة في البطولات، إذ انتقل من البطولات المحلية في المحافظات السورية “درعا والسويداء والقنيطرة إضافة إلى دمشق وريف دمشق” إلى البطولات العربية، حيث توج بأربع فضيات (فضية التقبين، وفضية السكوات بالإضافة إلى فضية البنش، وفضية العام بمجموع رفعات 340كغ) في الأولمبياد الخاص السوري في دورة الألعاب العالمية في أبو ظبي، محققاً لسورية آنذاك المرتبة الثانية عربياً. ولأنه يدرك أن من حصد الفضة ليس بعاجزٍ عن حصد الذهب نال عبد الرحمن أربع ميداليات ذهبية في دورة الألعاب العالمية الأولمبية للأولمبياد الخاص في مصر.

ومن مبادرة “مع متلازمة الحب” قرر عبد الرحمن أن ينقل الحب للمحيطين به بطريقة مختلفة، فشارك بتسويق العسل في المهرجانات والبازارات متخذاً من البسمة صديقةً دائمة لشفتيه، مقرراً ممارسة مهارة جديدة يقول بها للجميع “أنا مختلف عنكم، لكني قادر أن أكون مثلكم.”

ولأن المناصب لم تكن جديدة بالنسبة له حتى ولو اختلف شكلها، اختير عبد الرحمن إلى جانب خمسة عشر لاعباً من مؤسسة الأولمبياد الخاص السوري للمشاركة في المبادرة التي أقامتها وزارة التربية، مستلماً منصب مدير التعليم الأساسي لأربع ساعات مؤكداً شعار الحملة أنه “بالإرادة.. قادر.. قائد”.

تختتم أم عبد الرحمن حديثها قائلةً: “طريق النجاح يبدأ بدعم الأهل، وطفل الداون ليس عاجز بل قادر ومبدع إذ ما هيأت له الظروف المناسبة”.