إعداد: كريم خربوطلي
في سوريا، حيث لا تزال خدمات الطوارئ تعتمد بشكل كامل على الاتصال الصوتي، يبقى سؤال بسيط مثل “كيف يطلب الأشخاص الصم سيارة إسعاف؟” أكثر من مجرد فضول معرفي، إنه مسألة حياة أو موت.
رغم الطفرة التكنولوجية العالمية وثورة الذكاء الاصطناعي التي غزت ميادين العمل والاتصال، ما زال الصم في سوريا يفتقرون إلى وسيلة أساسية تضمن نجاتهم في الحالات الطارئة، ببساطة لأن آليات التواصل الحالية لا تتناسب مع احتياجاتهم.
لكن الحاجة تولّد الحل. وفي خطوة نوعية وغير مسبوقة على مستوى البلاد، أطلقت جمعية “الملهمون” السورية تطبيق “صوت الإشارة”، ليكون أول تطبيق من نوعه في سوريا مخصص لتمكين الصم من طلب المساعدة الإسعافية دون الحاجة إلى نطق كلمة واحدة.

التكنولوجيا في خدمة الحياة
التطبيق الذي تم تطويره بدعم من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، أُطلق رسمياً يوم 26 نيسان 2025 على مدرج رئاسة جامعة دمشق، بالتزامن مع أسبوع الصم العربي الخمسين، في مناسبة لم تخلُ من الرمزية والدلالة على أحقية الصم في نيل حقوقهم كاملة، وخاصة في لحظات الخطر القصوى.
يتيح التطبيق للمستخدم إرسال نداء استغاثة من خلال بياناته الشخصية وموقعه الجغرافي، ويحتوي على واجهة بصرية وفيديوهات بلغة الإشارة إلى جانب محتوى تعليمي إسعافي، ليكون “صوتاً مرئياً” يحاكي احتياجات الصم ويتجاوز عوائق التواصل التقليدي.
دعم حكومي ورسالة واضحة
في تصريح خاص لـ”منصة إرادة”، وصف وزير الطوارئ والكوارث، السيد رائد الصالح، التطبيق بأنه تجسيد حقيقي للمسؤولية المجتمعية في “سوريا الجديدة”، مؤكداً:
“لن نترك أحدًا خلف الركب. هذا التطبيق ليس مجرد أداة رقمية، بل هو التزام حكومي وشبابي تجاه فئة طالما واجهت تحديات مضاعفة.”
الوزير أشار أيضاً إلى استعداد الحكومة لتوسيع نطاق التطبيق ليشمل خدمات طارئة أخرى، مضيفاً:
“نحن مسؤولون عن كل سوري، بغض النظر عن خلفيته أو إعاقته، وسندعم كل مبادرة شبابية تبني سوريا التي نحلم بها.”
بانتظار الإطلاق الواسع
أما المهندس سامي المغربي، عضو مجلس إدارة جمعية “الملهمون” والمسؤول التقني عن المشروع، فأوضح أن التطبيق سيكون متاحاً مبدئياً عبر الجمعيات المختصة بالصم، على أن يُطلق لاحقاً على متجري Google Play وApp Store بعد استكمال الإجراءات التقنية والقانونية.
وأشار إلى أن التطبيق لا يقتصر على طلب الإسعاف فقط، بل يتضمن أدوات تثقيفية تساعد الصم على فهم الإسعافات الأولية بلغة الإشارة، مضيفاً:
“نطمح لأن يكون التطبيق هو الصوت الذي لم يكن مسموعاً.”
الصم في سوريا: واقع وتحديات
وفق تقرير نشرته صحيفة The National News عام 2021، يُقدّر عدد الصم في سوريا بنحو 20,000 شخص، بينما تشير تقديرات غير رسمية إلى أن الرقم الحقيقي قد يصل إلى 100,000، بسبب ضعف الإحصاءات الرسمية.
وفي ظل غياب البنية التحتية الداعمة، تبقى خدمات الطوارئ بعيدة المنال بالنسبة لمعظمهم، ما يجعل تطوير أدوات تكنولوجية مثل “صوت الإشارة” ضرورة ملحّة، لا رفاهية.
وبحسب منظمة الصحة العالمية، يعاني أكثر من 5% من سكان العالم من فقدان سمع معيق، ومن المتوقع أن يتجاوز العدد 700 مليون شخص بحلول عام 2050. وبالقياس على عدد سكان سوريا (22 مليون نسمة)، فإن عدد الأشخاص الذين يعانون من ضعف السمع قد يتجاوز مليون شخص، بينهم عشرات الآلاف من الصم التام.
خطوة متأخرة؟ ربما… لكنها ضرورية
قد يتساءل البعض: لماذا تأخر إطلاق مثل هذا التطبيق؟ ولماذا لم يُفكر فيه أحد من قبل؟ لكن، وكما يقول المثل: “أن تصل متأخراً، خير من ألا تصل أبداً.”
لعل هذا الإنجاز يكون بداية لمرحلة جديدة لا يُترك فيها أحد في الظل، ولا يُحرم فيها أي إنسان من أبسط حقوقه… الحق في الحياة.