الإرادة

شباب حمص وسوريا يصنعون التغيير: مبادرات تنظيف الشوارع تُعيد الأمل وتوحد البلد

لطالما كانت حمص رمزاً للتنوع الثقافي والديني والمجتمعي ، واليوم تعزز دورها في أعقاب الأحداث التاريخية التي شهدتها سوريا بعد التغيير السياسي الكبير، حيث أطلق مجموعة من الشباب مبادرة ملهمة تمثلت في حملة لتنظيف الشوارع والأحياء، شملت أحياء تنتمي لمختلف الطوائف والانتماءات، لتعكس روح التعايش والتضامن المجتمعي الذي تشتهر به حمص.

 وقد تزامنت الحملة مع موجة من المبادرات المجتمعية بقيادة الشباب والطلاب، تهدف إلى إعادة الأمل إلى شوارع البلاد وتحسين المشهد الحضاري. من حمص إلى دمشق ومدن أخرى من الشمال إلى الجنوب، برزت هذه الجهود كرمز للتضامن والتغيير الإيجابي.

الانطلاقة.. من فكرة إلى واقع


بدأت الفكرة من مجموعة من الشباب الحمصي، الذين شعروا بالحاجة إلى العمل معًا لتحسين بيئتهم المحلية وإعادة البهجة إلى شوارع وأحياء المدينة. انطلقت الحملة من حيّ الحميدية ، لتتوسع لاحقًا وتشمل مناطق مختلفة من المدينة مثل الدبلان والحضارة والغوطةوغيرها وهي جميعها أحياء تسكنها كافة الطوائف السورية من السنة والعلوية والمسيحية.
في البداية نشر جورج غريبة منظم المبادرة على صفحته على الفيس بوك هذه المبادرة فلاقت إقبالاً إيدابياً كبيراً من الشباب الذين تطوعوا لتنظيف المدينة وجعلها أجمل. يقول ” نزلت ستوري عالفيس بوك ولاقت إقبال من الأصدقاء والشباب وأيضاً من بعض كنائس وجمعيات ومؤسسات أرسلت بفرقها للمشاركة بحملة التنظيف .. أشخاص مارين بالطريق جابوا مكانسهم وانضموا لنا بلدنا ..)
ويضيف غريبة “بالنهاية هي بلدنا كل ما كانت نظيفة بتعكس الشي اللي جواتنا .. خلينا نخلي نضافة حارتنا نفس قلوبنا”

أهداف المبادرة: أبعد من التنظيف

 لم  تهدف الحملة إلى إزالة النفايات و تنظيف الشوارع فقط، بل كانت تحمل رسالة أعمق، تتعلق بترسيخ مفهوم الوحدة الوطنية وتعزيز الروابط بين سكان الأحياء المختلفة. أراد الشباب أن يظهروا أن التكاتف والعمل الجماعي يمكن أن يكونا وسيلة لتجاوز أي خلافات أو انقسامات.

أحد الشباب المشاركين يقول بعد أن يستعرض الأماكن التي شمبتها حملة التنظيف “هدفنا نقول انه وين ما رحنا نحنا دائماً ايد وحدة”.. مدام نحنا شباب عم نعمر سوريا فسوريا رح تكون بأمان”

آلية العمل والنتائج

تعاون الشباب مع جمعيات محلية ومؤسسات خدمية، إضافة إلى تطوع العديد من الأهالي الذين استجابوا بحماس لهذه المبادرة. تم توفير الأدوات والمعدات من قبل متبرعين محليين، وشهدت الحملة مشاركة واسعة من النساء والأطفال ، مما أضفى أجواءً إيجابية وحماسية.

وبعد أيام  من العمل المتواصل، حققت الحملة نتائج جميلة. حيث  أصبحت الشوارع أنظف وأكثر جمالًا، والأهم هو شعور السكان بالفخر بهؤلاء الشباب مما أعطاهم الأمل بمستقبل أفضل لسوريا بوجود شاب واع مثلهم .. يقول أبو طوني أحد سكان حي الحميدية ” الجيل وقت عم يشتغل بدافع من ذاته وهو غير مسير أو مرغم هذا شي كتير حلو .. هذا شي بينعش البلد وهذا الجيل بدو يشيل البلد. وينهض فيا”

الأهم من ذلك، رسخت الحملة قيم التعاون والاحترام المتبادل، وأعادت إحياء روح التعايش التي عُرفت بها حمص على مر العصور.

دمشق والمدن الأخرى

 جاءت حملة التنظيف في مدينة حمص كواحدة من العديد من المبادرات المماثلة التي تم إطلاقها في دمشق ومدن أخرى شملت  تنظيف الشوارع والمرافق العامة في أحياء متعددة وعكست رغبة حقيقية في إعادة الحياة إلى المدينة التي تأثرت بالأحداث. لم تكن هذه المبادرات محصورة في العاصمة، بل انتشرت في المدن الصغيرة والقرى، حيث نظم الشباب حملات مشابهة لتزيين الشوارع ورسم الجداريات التي تحمل رسائل أمل وسلام.

دور وسائل التواصل الاجتماعي

 لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في توثيق ونشر هذه المبادرات، حيث تداول المستخدمون صوراً ومقاطع فيديو لشباب وشابات يعملون معًا بحماس لتنظيف الشوارع. وقد لاقت هذه الجهود تفاعلاً واسعاً، ما أرسل رسائل إيجابية محملة بالتقدير والاحترام لهذه المبادرات وشجع المزيد من الشباب على الانخراط في العمل التطوعي والمساهمة في تحسين بيئاتهم المحلية.

رسائل الأمل والوحدة

تعكس هذه المبادرات رغبة الشباب السوري في إعادة بناء بلدهم، بعيداً عن الانقسامات والخلافات. تنظيف الشوارع وإزالة النفايات  ليست مجرد أعمالتطوعية عشوائية  بل هي تعبير عن تطلعات جيل جديد يسعى لخلق واقع أفضل، يعكس روح التضامن والمحبة والمشاركة المجتمعية. يقول أبو طوني في وصفه لمبادرة الشباب : “الله يقوين ويزيد همتن همة وهمة وتنظف البلد من كل شي مو بس من النفايات والغبرا مشان العالم تقدر تتنفس مظبوط هالجيل الطالع يقدر يأمن حاله بهالبلد الحلوة .. بلدنا حلوة ..غيمة ومرت .. بدنا مطر وبدنا ورد وزهر .. بدنا ربيع”

الأمل بالغد

من حمص إلى دمشق، ومن الشمال إلى الجنوب، تعكس هذه المبادرات روحاً جديدة في سوريا، روحاً تسعى لتجاوز آثار الماضي وتسعى لبناء مستقبل يليق بشعب عانى الكثير دون أن  يفقد إصراره على الحياة.

هي رسالة من الشباب إلى العالم بأن سوريا قادرة على النهوض من جديد، وأن الأمل والعمل المشترك هما مفتاح هذا التغيير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *