الإرادة

ستة أشهر بعد الزلزال، ستة أشهر من الانتظار على قوائم العلاج

تجلس خديجة مع ابنها على الأرض في خيمة ضيقة على أطراف بلدة جندريس حيث تعيش منذ ستة أشهر، بعد أن أجبرها الزلزال على النزوح مرة جديدة. لقي ابنها الأكبر حتفه في الزلزال، بينما اضطر ابنها الثاني محمد إلى بتر ذراعه وساقه. أما خديجة نفسها، فقد أجرت عدة عمليات جراحية وتم بتر قدمها.

“بمجرد أن غادرنا المستشفى، انتقلنا مباشرة إلى المخيم”. تقول خديجة، مضيفة إن الحياة في المخيم صعبة للغاية “بالنسبة لنا” كأشخاص ذوي إعاقة. فحتى الآن ليس لدى خديجة كرسي متحرك للتنقل كما تكافح لمساعدة محمد الذي لا يستطيع بدوره المشي.

رغم أن قصة خديجة وابنها محمد تبدو قاسية جداً، إلا أن ما هو أشد قسوة أنها تكاد تكون قصة عادية وشائعة جداً في سورية.

حوّل زلزال شباط مدناً بأكملها إلى أنقاض في سورية وتركيا، وقتل أكثر من 50 ألف شخص، وشرد الملايين. تدفقت فرق الإنقاذ من جميع أنحاء العالم على تركيا، لكن في سورية تُرك الناس لتدبير أمورهم بأنفسهم.

وفي حين يعتبر الناجون محظوظين، لا يزال الآلاف من المصابين بجروح خطيرة ينتظرون الأطراف الصناعية والأجهزة المساعدة، مثل الكراسي المتحركة، والعلاج الطبيعي.

كانت عائلة علي الأحمد التي هربت من تدمر منذ سنوات، تعيش في أنطاكيا عندما وقع الزلزال، وقتل والدته وأبيه وأربعة من أشقائه الخمسة. أما علي فقد بقي في العناية المركزة لمدة 100 يوم وخضع لـ 25 عملية جراحية. وكان لابد من بتر ساقه بالكامل.

يروي علي البالغ من العمر 14 عامًا، والذي ظل عالقاً تحت الأنقاض لمدة ثلاثة أيام ذكرياته عن ذلك اليوم المميت: “أدركت أن إحدى بنات أخي كانت على قيد الحياة لأنني سمعت بكاءها. كانت طفلة تبلغ من العمر خمسة أشهر فقط، وكان وجهها محطمًا ومشوهًا. كان أحد إخوتي على قيد الحياة معي أيضًا. قطع رجال الإنقاذ يده لتحريره، لكنه مات عندما دخل غرفة الطوارئ”. ويضيف مختصراً المأساة “حياتي مختلفة تمامًا. أبي، أمي، أختي، إخوتي – كلهم ماتوا.” لقد فقد عائلته بأكملها ولم يبق منها سوى أخوه الأكبر الذي لم يكن في المنزل عندما وقع الزلزال.

بعد ستة أشهر، يقول علي إنه لا يزال يشعر وكأن ساقه موجودة، بل إنه يعاني أحيانًا من صدمات كهربائية. “ما زلت لا أستطيع مغادرة المنزل بمفردي. لا أستطيع المشي لمسافات طويلة قبل أن أشعر بالتعب. بمجرد أن يكون لدي طرف صناعي، آمل أن أصبح أكثر استقلالية”.

واستطاع علي الحصول على بعض الدعم من منظمة الإغاثة الدولية Relief International وشريكها على الأرض، المشروع الوطني السوري للأطراف الذي يقدم له حالياً العلاج الطبيعي استعداداً للحصول على ساق صناعية.

إلى جانب الصدمات الجسدية الهائلة، عانى الناجون منذ الزلازل من صدمات نفسية قاسية، فقد تم انتشال بعضهم من تحت الأنقاض بعد أيام من البرد والظلام، فقط ليكتشفوا أن أقرباءهم وأصدقاءهم وأحباءهم قد ماتوا أو فقدوا.

 

وقتلت زوجة نديم حسن وثلاثة من أطفالهم الأربعة في الكارثة. نجا هو وابنه حبيب البالغ ثماني سنوات فقط. كان نديم (36 عامًا) من سكان ريف حلب وكان يعيش في هاتاي مع عائلته حيث كان يمتلك شركة إنشاءات تضم 50 موظفًا.

يستذكر لحظة الزلزال “عاشت عائلتي في الطابق الأرضي من مبنى متعدد الطوابق. رميت بنفسي على أطفالي لكن الهيكل كله انهار بغمضة عين. أخبرتني ابنتي أن قدمها تؤلمها بشدة، قلت لها أن تحافظ على إيمانها وأن تقول آية من القرآن. بدأت تتكلم لكنها ماتت. بعد ذلك، سمعت صوت ابني الصغير لكنه اختفى أيضًا، كانت هذه لحظات صعبة بشكل لا يمكن تصوره بالنسبة لي”. لم يكن ابني حبيب عالقاً مثل بقية أفراد الأسرة.

بعد أن حوصر نديم تحت الأنقاض لمدة أربعة أيام، عثر على نفق وتمكن من الخروج مع ابنه، وأمضى 45 يومًا في المستشفى. في البداية، حاول الأطباء إنقاذ ساقه، وتركيب الألواح المعدنية، لكن ساقه لم تستجب للعلاج لأن الشرايين والأوردة والأعصاب ماتت، ولم يكن أمامهم خيار سوى بترها.

بعد عودته من المستشفى، نام نديم وابنه حبيب لأيام في الحدائق حتى تلقى المساعدة من مركز الإغاثة الدولية. وأضاف الأب: “لقد قدموا لي جلسات دعم للصحة العقلية إضافة إلى خطة للعلاج الفيزيائي تحضيراً لتركيب ساقي الاصطناعية”.

وحتى الآن ما يزال الآلاف من مصابي الزلزال ينتظرون دورهم لتركيب أطراف صناعية أو استلام كراسي متحركة أو الحصول على جلسات علاج فيزيائي أو دعم نفسي خاصة في المناطق الأكثر تضررًا من الزلازل.

قصة جيرجانا كراستيفا

نقلاً عن جريدة ميترو البريطانية