الإرادة

رفع أسعار الاتصالات يغلق النوافذ القليلة المتبقية في غرف السوريين

مياس سلمان
لقد غير الإنترنت الطريقة التي نعيش ونعمل ونتواصل بها، حتى أصبح جزءًا لا يتجزأ من يومياتنا. وبالنسبة للأشخاص ذوي الإعاقة، أحدث الإنترنت تغييرات عميقة في حياتهم، حيث قدم فرصًا جديدة للتواصل، والتعلم والتعليم، والتوظيف، والاندماج. في سورية أيضاً، الإنترنت يمثل بوابة للوصول لإمكانيات ومعلومات وحوارات لا تتوافر خارج الفضاء الإلكتروني.

منذ بداية شهر تشرين الثاني الحالي، تم رفع أسعار خدمات الاتصال الخلوية والثابتة وشبكة الإنترنت في سورية للمرة الثانية خلال أقل من ستة أشهر. بالنسبة لكثيرين من مجتمع الإعاقة يعني هذا الرفع إغلاق المنافذ القليلة التي يتنفسون ويعملون من خلالها.

أيهم شاب من ذوي الإعاقة، لديه شلل رباعي، لم يُتح له التعليم إلا للصف السادس. بالنسبة له فإن مشاهدة مباريات كرة القدم هي المتعة شبه الوحيدة، ومع انقطاع الكهرباء وتشفير القنوات الناقلة أصبح الهاتف المحمول والإنترنت الوسيلة الوحيدة كي يشاهدها. غلاء الإنترنت جعله يقنن هذه المشاهدة للحدود الدنيا، وربما الغلاء الأخير مع الأزمة الاقتصادية التي تعيشها عائلته سيجعل الأمر شبه مستحيل، وليس من المبالغة أن يقول إنها تغلق باب السعادة الوحيد بالنسبة له.

شئنا أم أبينا نحن في عصر الإنترنت، فهو تكنولوجيا العصر ووسيلة الاتصال الأكثر سرعة التي جعلت الأخبار والمعلومات متاحة بسهولة للجميع. وبينما تتسابق دول العالم المتحضر لتوفير الإنترنت لشعبها بأسعار مخفضة أو مجانية، لا يكاد، في سورية، يمر شهر أو شهرين، حتى يتم رفع أسعار الاتصالات وباقات الإنترنيت بشكل كبير جداً بالمقارنة مع دخل المواطن السوري الضعيف أصلاً ناهيك عن سوء جودة الخدمات، سوء التغطية وبطء الإنترنت.

رفعت الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد أسعار تعرفة الاتصالات الخلوية والثابتة والإنترنت بنسبة تتراوح بين 25 و35 في المئة وهي الزيادة الثانية في العام الحالي 2023، مما أدى إلى وصول سعر باقات الانترنت الشهرية إلى حوالي نصف راتب الموظف، وهذه الباقة تكفي شخصاً واحداً فقط.

تتأثر جميع شرائح المجتمع بغلاء الإنترنت والاتصالات، ولكن تعتبر فئة الأشخاص ذوي الإعاقة الأكثر تضرراً، لأن الإنترنت بات بالنسبة لها، بوابة وصول للعالم كما أن البعض من ذوي الإعاقة يجد مصدر رزقه على الشبكة باعتبار العمل في العالم الافتراضي يمكن أن يتم من المنزل، وهذا يمثل سهولة كبيرة لشخص مثل منير، وهو مدقق لغوي من ذوي الإعاقة الحركية، والذي وجد عملاً “أون لاين” مع شركة مصرية بعد سنوات من البطالة التي لاحقته منذ تخرجه من الأدب العربي بسبب صعوبة استخدام المواصلات والأدراج كما أن الإنترنت يمثل له مكاناً أمناً للتواصل مع الآخرين لا يضطر فيه لمواجهة نظرات وأسئلة الناس.

لا يمكن تجاهل الاتجاه الناشئ للعمل عن بعد، الذي أدى إلى تفكيك الحواجز التي كانت تمنع الأفراد ذوي الإعاقة من المشاركة في القوى العاملة. أصبح بإمكان هؤلاء الوصول إلى ساحة عمل متكافئة تتحدث فيه إمكانياتهم بصوت أعلى من إعاقتهم.

رهف، خريجة فنون جميلة، من الصم، يقول والدها “عندما كانت رهف طفلة ولم يكن الإنترنت متوافراً، كنا نحلم بأن نصل لمرحلة نستطيع التواصل مع رهف أينما كانت لنطمئن عليها وقد وصلنا لليوم الذي حلمنا به بفضل الإنترنت”. بالنسبة لرهف فإن العالم الافتراضي أصبح ملاذها، حيث يوفر موارد لا حدود لها للتعرف على العالم من خلال وجود قنوات خاصة على اليوتيوب بلغة الإشارة ووجود أفلام مع شرح وحوار مكتوب، كما أنها تتواصل مع صديقاتها من الصم عبر تقنيات الفيديو ولكن غلاء الإنترنت سيشكل عبئاً كبيراً على والدها، حيث ستحتاج ما بين خمسين وخمس وسبعين ألف ليرة سورية شهرياً.

ورفعت الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد أسعار تعرفة الاتصالات الخلوية والثابتة والإنترنت بنسبة تتراوح بين 25 و35 في المئة وهي الزيادة الثانية في العام الحالي 2023، مما أدى إلى وصول سعر باقات الانترنت الشهرية إلى حوالي نصف راتب الموظف، وهذه الباقة تكفي شخصاً واحداً فقط.

منى عمقي، الناشطة والخبيرة بقضايا الإعاقة تقول: قبل الكلام عن غلاء الإنترنت، يجب الإشارة إلى ضعف معرفة الأشخاص من ذوي الإعاقة لحقوقهم فهناك باقات مخفضة مخصصة لهم، لكن يجب الحصول أولاً على بطاقة الإعاقة للحصول على الباقات المخفضة، وتضيف أن سعر هذه الباقات مقبول لمن يعمل، ولكنها ستبقى عبئاً كبيراً لشخص من ذوي الإعاقة الذي لا يعمل.

تشير الاتفاقية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي انضمت اليها سورية على تسهيل حصول الشخص ذوي الإعاقة على وسائل الاتصال الحديثة وتكنلوجيا المعلومات، ولكن بسبب غلاء أجهزة الاتصال والهواتف المحمولة والحواسب الشخصية والرفع المتكرر لأسعار الاشتراك بالإنترنت، إلى جانب عدم انعدام التسهيلات الخاصة لذوي الإعاقة، فإن تطبيق هذه المادة من الاتفاقية يبقى غير فعال.

مالك شاب من ذوي الإعاقة البصرية الذي يعمل كصانع محتوى على الإنترنت يقول: ارتفاع أسعار الانترنت يؤثر سلباً لأنه يضع مزيداً من الصعوبات أمام الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية في الوصول إلى المعلومات والخدمات عبر الإنترنت الذي قد يكون المصدر الرئيسي للوصول إلى المعلومات والتفاعل مع العالم الخارجي، بفضل التقنيات التكيفية وقارئات الشاشة، وبالتالي فإن عدم وجود اشتراك إنترنت بأسعار مقبولة قد يعزز العزلة ويؤثر على فرص التعليم والتواصل وخاصة صعوبة الوصول للكتب الصوتية وغيرها.

أما ياسر من ذوي الإعاقة الحركية الذي يعمل بمجال التصوير يقول إن عمله يحتاج الى إنترنيت سريع جداً لتحميل الصور والملفات والفيديوهات مما يشكل عبئاً اقتصادياً مرهقاً بسبب غلاء الباقات فهو يحتاج إلى باقات كبيرة الحجم وسعرها مرتفع جداً وبالتالي ذلك يقلل من فرص العمل.

في النهاية الإنترنت قوة توازن جبارة، تُسمع من خلالها جميع الأصوات، دون الاستهانة بأي قدرات. من حب أيهم لكرة القدم إلى سعي والد رهف لتحقيق سعادة ابنته إلى رحلة مالك المهنية، تظهر أهمية الوصول الشامل الذي توفره شبكة الإنترنت، والتي تحول العالم الذي كان يستبعد الأشخاص ذوي الإعاقة ذات يوم إلى عالم بالإمكانيات والشمولية اللامحدودة. وبالتأكيد فإن وصول ذوي الإعاقة الى خدمة الإنترنت في سورية بسعر مقبول حق من حقوقهم يجب العمل بشتى الوسائل كي يحصلوا عليه.