الإرادة

رجل ناجح… لكن، لا يصلح للحب

مياس سلمان

لن تهبك الحياة كل شيء دفعة واحدة، ربما متعة الحياة أو قانونها الأزلي بأنها لا تكتمل مع أحد! البعض يحصل على ما يريد بسهولة والبعض يحصل عليه بصعوبة بالغة والبعض لا يحصل عليه أبداً، ولكن لا أحد يحصل على كل شيء.

حلم أي فتاة شرقية رجل وسيم أنيق كامل يأتي إليها على حصان أبيض ليحقق جميع أمانيها دفعة واحدة.

هنا بدأتُ أتساءل: أليس من الجنون أن تعتقد أن هناك أنثى تنسج أحلامها حول رجل ليس كاملاً أو رجل لديه نوع من الإعاقة؟ أليس من حقها أن تكون أحلامها كاملة على الأقل؟

فإن رأيت قصصاً حول وفاء امرأة لرجل لديه إعاقة، أو فتاة تحدتْ الواقع والمجتمع وتزوجت شاباً لديه إعاقة أو العكس، فهذا استثناء عن القاعدة. وراء كل قصة كهذه ألف قصة خيبة، وحلمٌ لم يكتمل، وقصة حب من طرف واحد، بطلها شخص من ذوي الإعاقة!!

أصبحتُ في سن الخامسة والثلاثين. شاب رغم نجاحه وتخرجه من الجامعة وعمله وتأمينه منزلاً مستقلاً، ما زال في نظر الغالبية رجلاً غير كامل بسبب الإعاقة. شخص يثير الشفقة أحياناً والاحترام أحياناً أخرى، ولكنه يبقى رجلاً غير صالح للحب.

يعود بي الزمن لأيام المراهقة. مشيتي بخطواتٍ متثاقلةٍ غير متزنة جعلت أكبر أحلامي أن أكون شاباً يجيد الدبكة أو الرقص، فقد كنتُ أتخيل أن الفتاة لا تحلم بأكثر من شابٍ يجيد الدبكة والرقص. هذا الحلم كان كبيراً وفضفاضاً، فبسبب وضعي الصحي سأبدو كالمهرج الذي يرسم ضحكات صاخبة على وجه من يشاهد هكذا عرض.

أذكر أنني في هذه المرحلة عشت صراعاً وعدم تقبل لذاتي لا يحتمل، كنت أمزح كثيراً وأكثرُ من الكلام والنكت لأخفي خلفهم مأساتي. كنت مدركاً وقتها أن وضعي النفسي لا يحتمل أيّ فشلٍ عاطفيّ. كنت أركز على دراستي وأستمع للأغاني العاطفية وأميل لمصادقة البنات في مدرستي المختلطة، وهذه الصداقات منحتني بعض الأمان العاطفي، ربما الكاذب.

في مرحلة الجامعة، أصبحتُ أكثر نضجاً وتقبلاً لذاتي. اعتقدتُ أن الجامعة ستكون طريقاً حتمياً للحصول على الحب مستقبلاً عند الحصول على شهادتي. هكذا أجلتُ هاجس الحب بضع سنوات، فنجاحي في تكوين صداقات وعيش تفاصيل الجامعة بكل شغف، جعل مني إنساناً سعيداً. لا أنكر أن فترة الجامعة والسكن الجامعي الذي استطعتُ خلالهما الاندماج مع أصدقاء أصحاء، كانتا أجمل أيام حياتي.

وبعد التخرج من الجامعة وحصولي على وظيفة، أصبح البحث عن الحب أكبر أحلامي. أول فتاة أحببتها رفضتني رفضاً قاطعاً. لا أنكر حينها أن الخيبة والألم النفسي والجرح الذي عشته وقتها لا يزال محفوراً في ذاكرتي وبقي يرافقني لما يقارب السنة. مرت فترة حيث كنت أكره جميع النساء بسببه وأكره نفسي أيضاً. شعرتُ بانكسارٍ في حينها لم يترمم بسهولة.

بعدها تم رفضي مرة ثانية وثالثة.. لكن التأثر كان أقل. كنت أواسي نفسي بأن أي شاب يمكن أن يُرفض. كنتُ أقنع نفسي أن مجرد التقدم لفتاة وأنا بوضعي هذا شجاعة.

بعدها وفي سن السابعة والعشرين، تعرفتُ على فتاة ووافقت على الارتباط بي. لم أكن متأكداً إن أحبتني أم أرادت التخلص من واقعها البائس وحالة الفقر التي تعيشها، وأنا لم أكن أهتم بصراحة بالسبب، أو لم أرغب بمواجهة هواجسي وقتها. رغبتي في الزواج لعيش واختبار رغباتي واحتياجاتي الطبيعية كان دافعي الأساسي. كانت هذه الفتاة من نفس البيئة والطائفة، ولكن من منطقة بعيدة نوعاً ما. كنتُ أعيش مندفعاً بعنفوان شاب يرى الزواج طريق السعادة الأول. اتفقنا أن تخبر أهلها وهنا كانت الصدمة عندما تكلمتُ مع والدها على الهاتف، فقال لي بلغة عامية لا أنساها: “لا تجي يا عمي لعنا أنا ما بزت بنتي هذه الزتة”، لا أدري حجم الانكسار وضياع الحلم الذي عشته وقتها. هي لم تبد أي ردة فعل ولم تتمسك بي. وأنا ابتعدتُ عنها بمنتهى القسوة.

مرّ ما يقارب الثلاث سنوات حتى أتى اتصال من رقم غريب. عرفتها من أول كلمة، وكان القهر واضحاً على ملامح صوتها، قالت سامحني، ظلمتك. حكت لي كيف تقدم لها عريس عسكري في نفس الفترة، وتزوجا بسرعة، وبعد خمسة عشر يوماً، تعرض لطلقة وأصيب بالعمود الفقري فأصيب بالشلل وأصبح على كرسي متحرك. أعترفُ أني لم أتعاطف معها، بل ربما شعرتُ براحة نفسية، شعرتُ أن الحياة عادلة. طلبتُ منها ألا تكلمني مجدداً حظرتُ الرقم ولم أعرف عنها شيئاً بعد ذلك.

بعدها تم رفضي مرة ثانية وثالثة.. لكن التأثر كان أقل. كنت أواسي نفسي بأن أي شاب يمكن أن يُرفض. كنتُ أقنع نفسي أن مجرد التقدم لفتاة وأنا بوضعي هذا شجاعة.

في سن التاسعة والعشرين، عرفتُ الحب الحقيقي، الحب الذي جعل مني إنساناً آخر. حباً بعيداً عن الأنانية استمر ثلاث سنوات تحت ستار الصداقة. عملت المستحيل ليصبح لدي منزل وعمل يحقق دخلاً أكبر كي أليق بها. كانتْ تفرح لنجاحي وكان يكفيني أني بيت أسرارها، ولكن في النهاية عندما اعترفت لها قالتْ دعنا أصدقاء فابتعدتُ أيضاً بمنتهى الحزن والخيبة عدتُ إليها بعض المرات مكسوراً مشتاقاً أعترف بحبي ولا تبالي حتى قسوت على نفسي وابتعدتُ عنها بشكل نهائي.

بعدها لم يعد الحب هاجسي وأصبحتُ أبتعد عن طريق أي فتاة قد تعجبني. المحيطون بي يقولون: ليس لديك خيار لا تبحث عن الحب ابحث عن أي فتاة ترضى بوضعك وتعيش معك الحياة بحلوها ومرها. فأصمت. لا أجيب، وأنا على قناعة تامة أن العيش وحيداً أفضل من حياة غير مقتنع بها مع فتاة لا أحبها وتحبني، لكن ترضى بي وأرضى بها… حتى الآن، لا أستطيع قبول هذه المعادلة.