الإرادة

حياة بين القشور سائق دمشقي يتحدى مرض السماك الجلدي

إعداد: كريم خربوطلي

في ظل الظروف المناخية والسياسية والمعيشية الصعبة في دمشق، يواصل العم “أبو محمد” عمله كسائق سيارة أجرة منذ سنوات طويلة، مبتسماً بابتسامة دافئة تخفي وراءها معاناة يومية مع مرض جلدي نادر يُعرف بالسُّماك، أو كما يُطلق عليه بالعامية “قشر السمك”، نظراً لتشابه جلد المصاب به مع حراشف السمك، إذ يجعل الجلد جافاً ومتقشراً. ورغم نظرات الفضول والتساؤلات والخوف التي قد يواجهها أحياناً من الركاب، يثابر أبو محمد على عمله، مؤمناً بأن العمل والتفاعل مع الناس هما وسيلتاه لمواجهة هذا التحدي والتغلب على الآثار الجسدية والنفسية لهذا المرض.

مجاهد شيخ نعيم، البالغ من العمر 52 عاماً، يُعد مثالاً ناجحاً للتعايش مع مرض السماك من الناحية النفسية بفضل انخراطه في الحياة من خلال العمل والزواج والإنجاب. ولكن في المقابل، هناك الآلاف من المصابين بهذا المرض الذين يعانون من الحرج الاجتماعي بسبب نقص الوعي المجتمعي حوله. لذا، سنعرض في هذا المقال بعض المعلومات عن مرض السماك مع الدكتور الاستشاري عمر ليلا، أستاذ الأمراض الجلدية والتناسلية في جامعة دمشق، الذي أفاد بعد اطلاعه على المادة المصورة مع العم أبو محمد بأن حالته يمكن تصنيفها ضمن السماك الصفائحي أو الأحمرية السماكية اللا فقاعية.

أنواع السماك الجلدي

وفقاً لمصادر طبية متعددة، توجد أكثر من 20 نوعاً من السماك، تتنوع بين الوراثية والمكتسبة. يُعتبر السماك الشائع الأكثر انتشاراً، حيث يصيب حوالي شخص واحد من كل 250 شخصاً، بالإضافة إلى أنواع أخرى مثل السماك المرتبط بالكروموسوم X الذي يصيب الذكور فقط، ويتميز بتقشر عام في الأطراف والجذع، وسماك هارلكوين، وهو نوع نادر جداً يتميز بقشور شديدة تتطلب رعاية مركزة عند الولادة.

بالنسبة لحالة السيد (مجاهد)، أوضح الدكتور عمر أن هذه الحالات غالباً ما يولد فيها الأطفال محاطين بغشاء بلاستيكي كولوديوني، ويُطلق على الطفل حينها طبياً (الطفل الكولوديوني). وعادة ما يُصاب هذا الطفل بأحد أشكال السماك المختلفة، مثل السماك الصفائحي أو الإحمرار السماكي غير الفقاعي.

ما هي أسباب الإصابة بمرض السماك؟

ينتج السماك الوراثي عن طفرات جينية تؤثر على عملية تجدد خلايا الجلد، مما يؤدي إلى تراكم الخلايا الميتة وتكوين القشور.

أما السماك المكتسب، فيظهر خلال مرحلة البلوغ ويرتبط بحالات طبية أخرى، مثل قصور الغدة الدرقية، أمراض الكلى، الساركويد، وبعض أنواع السرطان.

ما علاقة الكبد بمرض السماك؟

أثناء مناقشتنا مع العم أبو محمد عن حالته، ذكر أن السبب يعود إلى قصور في الكبد عن إنتاج المواد الدهنية – حسب قوله – إلا أن الدكتور عمر نفى أي علاقة بين الكبد ومرض السماك. وأوضح أن هذا اعتقاد شائع بين المرضى الذين يعانون من أمراض جلدية مشابهة، مثل الصدفية أو النخالية الحمراء الجرابية، وجميع اضطرابات فرط التقرن. حتى في حالات مثل البهاق أو تصبغ الجلد، يظن البعض أن المشكلة مرتبطة بالكبد. ولكن في الحقيقة، معظم هذه الأمراض الجلدية ليست لها علاقة بالكبد وليست ناجمة عنه.

مرض السماك غير معدٍ

أكد الدكتور عمر ليلا، استشاري وأستاذ الأمراض الجلدية والتناسلية في جامعة دمشق، أن مرض السماك غير معدٍ بأي شكل من الأشكال، سواء من خلال التعامل المباشر أو التلامس الجسدي أو حتى التماس الوثيق، لأنه مرض وراثي.

التأثير النفسي والاجتماعي:

يتجاوز تأثير مرض السماك الجوانب الجسدية ليشمل الصحة النفسية للمصاب. يعاني المرضى من حرج اجتماعي بسبب جهل المحيطين بطبيعة المرض وخوفهم من العدوى عن طريق التلامس. كما يواجه المصابون صعوبات إضافية في العثور على شريك حياة وتكوين أسرة، نتيجة تخوف الشريك من احتمالية توريث المرض. ومع ذلك، هناك حالات إيجابية مثل حالة العم أبو محمد، الذي لم ينقل المرض لابنه بعد زواجه من سيدة غير حاملة للمرض. لذلك، ينصح الدكتور عمر ليلا العائلات التي لديها تاريخ طبي مع مرض السماك بتجنب الزواج من الأقارب، إذ إن توريث المرض يتطلب توافر صفات وراثية محددة.

كي لا نكون داعمين للمرض

يمثل مرض السماك تحديًا طبيًا واجتماعيًا. ورغم عدم وجود علاج نهائي حاليًا، إلا أن التطورات الحديثة في العلاج الجيني تُبشّر بتحسين جودة حياة المرضى حتى يتم التوصل إلى علاج نهائي. من المهم تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمصابين، وتثقيف المجتمع لتصحيح المفاهيم الخاطئة عن المرض. حيث إن الضغط المجتمعي قد يكون أكثر تأثيرًا على المرضى من الأعراض الجسدية نفسها، مما يستدعي تكاتف الجهود بين الأوساط الطبية والمجتمع لتحقيق نتائج أفضل.   

الأعراض والمضاعفات:

تتراوح الأعراض بين جفاف الجلد وتقشره إلى الحكة والاحمرار والتشقق، وفي الحالات الشديدة قد تؤدي التشققات إلى نزيف وألم. يمكن أن يؤدي السماك إلى مضاعفات مثل:

– ارتفاع درجة الحرارة: نتيجة لانخفاض القدرة على التعرق بسبب انسداد الغدد العرقية.

– عدوى الجلد: بسبب التشققات والجروح المفتوحة.

– تأثيرات على السمع والبصر: عند تراكم الجلد فوق الأذنين أو العينين.

 كما لاحظ الدكتور عمر ليلاً عند العم (مجاهد) “شتر” في الجفون نتيجة الإصابة بالمرض، مما قد يسبب جفافاً في العينين، لذلك يحتاج المريض دائماً إلى استخدام مرطبات للعين.

 

التشخيص والعلاج:

 يعتمد التشخيص على التاريخ الطبي والفحص البدني، وقد يتطلب إجراء خزعة من الجلد أو فحوصات جينية. كما أشار الدكتور عمر إلى إمكانية تشخيص المرض خلال الحياة الجنينية عن طريق أخذ عينات من السائل الأمنيوسي ودراستها لتحديد إذا ما كان الجنين يحمل هذه الخلة الوراثية، خاصةً إذا كان هناك تاريخ مرضي في العائلة.

بالنسبة لعلاج مرض السماك، أوضح أستاذ الأمراض الجلدية والتناسلية بجامعة دمشق أنه طالما أن المرض ناتج عن خلل جيني، فإن العلاج المثالي يتطلب التحكم بالجينات وإلغاء الجينة المسؤولة عن المرض، وهو أمر لم يصل إليه الطب حالياً، ولكن يمكن التحكم في الأعراض من خلال:

– الترطيب اليومي للجلد: باستخدام كريمات تحتوي على مواد مثل حمض الساليسيليك وحمض اللاكتيك للمساعدة في تقشير وترطيب الجلد. كما يمكن استخدام اليوريا، مع الحذر من تطبيقها على مساحات واسعة، بل الاقتصار على المناطق الأكثر تضرراً.

– الاستحمام المنتظم: لإزالة القشور، مع استخدام زيوت استحمام للحفاظ على رطوبة الجلد، وإضافة مواد مثل بروبلين جليكول أو الغليسيرين إلى ماء الاستحمام.

– استخدام المضادات الحيوية أو المطهرات: لعلاج التهابات الجلد عند الحاجة. 

وأشار الدكتور عمر إلى وجود معالجات داخلية تفيد بعض أنواع السماك، مثل مركبات الإتريتينات والاستريتينات (كالتيغازون أو السورياتان)، إلا أنها غير متوفرة في سوريا. ومع ذلك، أفاد بأن المرضى الذين تمكنوا من تأمينها لاحظوا تحسناً ملحوظاً، مع ضرورة مراقبة وظائف الكبد أثناء استخدامها. كما أن الفيتامينات (أ) و(د) تساعد أيضاً في آلية تقران البشرة.

 

التطورات الحديثة للعلاج:

شهدت السنوات الأخيرة تقدماً ملحوظاً في مجال العلاج الجيني للسماك. وفقاً لصحيفة (هنا لبنان)،

أنه في عام 2024 نجح فريق من الباحثين في جامعة “ناغويا” باليابان في علاج أمراض جلدية مزمنة بما في ذلك السماك عن طريق زرع جلد سليم وراثياً في المناطق المصابة، مما يفتح أفاقاً جديدة للعلاج مسقبلاً.

 كما سبق أن كشف استشاري ورئيس شعبة الأمراض الجلدية في جمعية الإمارات الطبية د. أنور الحمادي في خبر نشره موقع (البيان) عام 2021 عن علاجات جديدة لبعض الأمراض الجينية النادرة بما في ذلك السماك وهي في المراحل الأخيرة من التجارب السريرية مما يبشر بإمكانية توفرها للمرضى قريباً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *