الإرادة

حوالات المغتربين السوريين تتراجع … وخطر نقص السيولة يدق باب المصرف المركزي

مادلين جليس

على الرغم من أن حزمة قرارات مصرف سوريا المركزي، ومنها تثبيت سعر صرف الدولار على 12000 ليرة، والسماح بتداول العملات الأجنبية، كانت تهدف بالدرجة الأولى لتقليص الفجوة بين سعر الصرف الرسمي للدولار وسعره في السوق السوداء، إلا أن هذه الإجراءات لم تحقق الأهداف المرجوة منها، بل انعكست سلباً، وأحدثت تأرجحاً مستمراً وعدم استقرار في أسعار السلع الأساسية في الأسواق.

إجراءات جديدة من مصرف سوريا للسيطرة على سعر الليرة السورية مقابل الدولار

تدخل علني

يؤكد نائب رئيس غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق أن مصرف سورية المركزي يتبع سياسة حبس السيولة، والتأثير على سعر الصرف من خلال طرح العملة السورية في السوق من أجل رفع سعر الصرف، أو كمش السوري حتى بالسوق من أجل انخفاض سعر الصرف. مشيراً أن سعر الصرف الموجود حالياً هو ما ترغب إدارة المصرف باستمراره، وعلى الرغم من أن المركزي ثبت السعر عند 12000 ليرة إلا أن السعر الحقيقي بين 10000 و10200 ليرة.

وأضاف الحلاق أن الفرق بين سياسة المركزي حالياً وفي عهد النظام السابق، أنه في الوقت الحالي يتبع المركزي هذه السياسة للتدخل علناً، على عكس ما كان يقوم به أيام النظام السابق من التدخل من تحت الطاولة من خلال المزادات وغيرها.

وعلى الرغم من ذلك فإن السعر المعمول به هو السعر المنتشر على صفحات التواصل الاجتماعي، كما يؤكد الحلاق الذي يشير أن هذه الصفحات هي المتحكم بسعر الصرف، ولها مرجعية واضحة لدى شركات الصرافة.

حوالات المغتربين إلى سوريا تقدر بملايين الدولارات شهرياً! وهي شريان الحياة الوحيد لآلاف الأسر السورية

خرجية شهرية

للجميع يبدو المشهد مقتصراً على ارتفاع سعر الصرف وانخفاضه وارتباط ذلك بأسعار السلع والمواد في الأسواق من ارتفاع وانخفاض تبعاً لذلك، لكن الحقيقة تشير إلى تأثر أغلب القطاعات بهذا الارتفاع والانخفاض، وبالفجوة الكبيرة بين سعر الصرف الرسمي وسعره في السوق.

وفي المشهد الحالي يبرز موضوع حوالات المغتربين كأبرز القطاعات المتأثرة والمؤثرة في آن معاً، فبعد أن كانت طوق النجاة لأغلب السوريين المعدمين، أصبحت الآن “خرجية شهرية” لتراجع دورها في تغطية الحاجات اليومية لأسرة على مدى شهر كامل.

في أبريل 2023 صرح الخبير الاقتصادي وأستاذ كلية الاقتصاد الدكتور علي كنعان أن الحوالات الخارجية الواردة من المغتربين السوريين والتي تصل لحوالي 5-7 ملايين دولار وحتى وصلت إلى 10 ملايين دولار في اليوم، هي المصدر الرئيسي والمورد للعملة الأجنبية في الاقتصاد الداخلي، كما أنها رافد مهم للمركزي فهي تسهم في تمويل المستوردات الأساسية وسداد الالتزامات.

وكانت وزيرة الاقتصاد السابقة لمياء عاصي قد قدرت أن قيمة ما يصل سنوياً يعادل ملياري دولار سنوياً، وأن 70 ٪ من الأسر السورية تعتمد بشكل مباشر على هذه الحوالات، والتي أصبحت شريان حياة بالغ الأهمية بالنسبة لهم.

تراجع للنصف

واضطراداً تتناسب الزيادة في حوالات المغتربين مع زيادة الإنفاق في شهر رمضان المبارك وفترة عيد الفطر التي تعتبر عادة الأعلى من حيث الحوالات. لكن الموضوع بدا مختلفاً هذه العام، فقد تراجع حجم هذه الحوالات للنصف تقريباً بحسب الخبير الاقتصادي والصناعي عاطف طيفور الذي توقع ألا يتجاوز حجم هذه الحوالات أكثر من 3 ملايين دولار مع غياب الإحصائيات الرسمية.

وأشار طيفور إلى تراجع دور هذه الحوالات في تحريك السوق والتجارة والصناعة والإنتاج بشكل عام، علاوة على ذلك فإن مستلمي الحوالات يلجؤون في التصريف للصرافين بغية تحصيل رقم أكبر ولو بنسب ضئيلة بالتالي فإن نسبة لا بأس بها من قيمتها تذهب لصالح جيوب المضاربين والصرافين غير المرخصين، وهذا يعني أن هذا القطع الأجنبي يتجه للتهريب وليس للمصرف المركزي. وبين طيفور أن عدداً كبيراً من المغتربين إما اضطروا لتخفيض الحوالات أو لإيقافها للحد من خسارة التحويل.

يواصل سعر صرف الليرة مقابل الدولار في التراجع بتعاملات السوق الموازية، فيما واصل مصرف سوريا المركزي تثبيت سعر الصرف في التعاملات الرسمية.

اقتصاد عشوائي

وتبدو الخسارة للقطاعات الاقتصادية مماثلة حيث يتحدث طيفور عن الفوارق في سعر الكهرباء، فبعد أن كان الصناعي ينادي بتخفيض تعرفة الكهرباء التي تصل لـ ١٥ سنتاً والتي تمنعه من المنافسة كما يؤكد الخبير الاقتصادي، لأنها أعلى من دول الجوار أصبح اليوم ومع انخفاض سعر صرف الدولار يدفع ٢٥ سنتاً، أي أن التكلفة ارتفعت للضعف، مع العلم أن الطبيعي أن يتم التسعير بحسب تغير سعر الصرف عالمياً أو أن يتم الدفع بالدولار، كما يجري الأمر في وضع نشرات أسعار المحروقات والغاز وغيرها. وأضاف طيفور أن الاقتصاد السوري اليوم هو اقتصاد عشوائي بدون أي ضوابط بالتالي لا تنطبق عليه أي معادلات.

وطرح مثالاً أن توحيد نشرات سعر الصرف وتخفيض سعره كان من المفترض أن ينعكس مباشرة على الاقتصاد ويساهم في تخفيض الأسعار بنسبة ١٥ بالمئة، لكن ذلك لم يحدث فالبضائع المنتشرة في الأسواق ليست محلية، بل هي مستوردات غير نظامية ومهربات.

وأكد على ذلك من خلال الإشارة إلى الفجوة الكبيرة بين سعر الصرف الرسمي والسعر في السوق، فطالما أن سعر صرف الدولار في مصرف سورية المركزي أعلى من السوق فهذا دليل واضح على نقص السيولة أي أن المركزي ليس قادراً على التحكم بسعر الصرف.

وأضاف: عندما نرى أن سعر صرف الدولار في السوق السوداء أعلى من المركزي، حينها يمكننا أن نقول إن الاقتصاد السوري بخير. مع تأكيده أن الفجوة بين السعرين مطلوبة، لكن عكس الحاصل اليوم، من ارتفاع سعر صرف المركزي أكثر من السوق وأكثر من الصرافين بنسب عالية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *