عبد الكريم عمرين
يستفيق فادي من قيلولته المتأخرة، حيث السماء بدأت تكتسي السواد، أساعده في الذهاب والخروج من الحمام، أناوله حبة تمر ونصف كأس من الماء، التلفزيون يعلن أن الرئيس التونسي حلّ البرلمان. أضع أمام فادي صحن الشيبس يتناوله، فيتلمس قطع البطاطا المنفوشة، ويحاول أن يضعها في فمه ،فادي ضعيف النظر، تماماً كما بايدن وعدوه اللدود بوتين أصحاب الرؤية الضعيفة, أذهب إلى المطبخ فاقسم سندويشة الفلافل إلى قسمين متساويين، أرى أن قسماً أكبر قليلاً من القسم الآخر، فأتذكر قول الله في قرآنه: “تلك إذن قسمة ضيزى” فأخاف أن أظلم فادي فأمنحه القسم الأكبر، فيزدرد فادي اللقيمات ويكاد يغص، فأمنحه رشفات من الماء، وأمسح فمه بين الفينة والأخرى، المذيع يعلن عن نتائج اجتماعات الوفدين الروسي والأوكراني، أجلس وأغب من خمر رخيص، وأمج من تبغ أرخص، فينتابني سعال جارح، بينما مذيع آخر يتحدث عن كيم كاردشيان ومؤخرتها، فادي يخبرني أن الطقس يميل إلى الدفء، وأنه آن الأوان لنخرج إلى حديقة عامة، فأعده أنه سيكون، تنقطع الكهرباء يقوم فادي ليشعل ضوء اللدة، فيقع على وجهه، ويسيل الدم من فمه، أهرع فأمسح له فمه، أعاتبه، فيقول لي: ماحبيت تقوم، فأنت متعب يا بابا، على اللاب توب ترتفع عقيرة الكثيرين كتابة، إذ يهاجم البعض علي فرزات، فيصفونه بالحقير، والبعض الآخر يرد أنه فنان عظيم، فادي يستمع إلى أغانيه: نجوى كرم معشوقة فادي وفارس كرم، ونانسي عجرم، وأنا أكتم غيظي، أذهب إلى المطبخ فأقطع حبة جزر واحدة، وأغسل خسة واحدة، فأضع أمام فادي بعض ضلوع الخس وقطع الجزر، فادي يعرف أنني متضايق من أغانيه المفضلة، فيقترح أن نسمع أم كلثوم، هو لايحب أم كلثوم، لكنه يريد أن يقول لي، أنه ” كل شيء في الدنيا دي وافق هواك أنا حبيته”، أغب الكاس الثاني والسيجارة الرابعة، وأنا أقرأ على الفيس، عن نتائج اجتماعات الحوار الوطني اليمني ـ اليمني، وعن خلفاء الخامنئي، وألعن هذا الزمن اللزج الدبق المترهل، أسأل فادي: شو بتحب تسمع لأم كلثوم؟ فيجيبني مبتسما، ابتسامة حنو وحب: بدي اسمع أنت عمري، هذا الولد أصابني في مقتل, فهو يعرف أني أعشق هذه الأغنية لأم كلثوم بالذات، أستل أنت عمري من اليوتيوب، بينما أصب الكاس الثالثة، وأمج السيجارة السادسة، فادي مطرق الراس، لاأعرف بماذا يفكر، ثم فجأة يقول لي: بابا أنا بحبك، فابكي بصمت، فليس من بشر فوق هذه البسيطة يقول لي: أنا أحبك كما يقولها فادي، بينما أقرأ نتائج الأفلام الفائزة في الأوسكار وإعلانات عن المسلسلات العربية في سباق رمضان، ويدور في ذهني سؤال ممض: ماذا سنأكل يوم غد، وأي غلاء جديد سيفتك بنا، يوقظني فادي: بابا اشتقت لأخواتي، رادا وكندة وفواز وخلدون، إيمتى بدهم يرجعوا ع حمص؟ فأغالب دمعي وأكذب مصطنعاً فرحاً قميئاً وأقرر: قريباً.. قريباً جداً بابا سيحضرون، فيفرح يهز راسه ذات اليمين والشمال ويفرك يديه باغتباط المعوق، أذهب إليه فأضمه بينما تصل أم كلثوم إلى: أنت عمري اللي ابتدا بنورك صباحه…. وأسأل نفسي, اي نور سيعلن صباحاتنا؟ اي نور سيعلن صباحات فادي وصباحات حمص وسورية؟