عبد الكريم عمرين
ينام فادي بعد جلسة طويلة لنا معاً، لست ساعات متواصلة إلا قليلاً.
كل مساء أستنجد بالمسرح لكي أُضفي على جلستنا بعض البهجة.
يدخل فادي غرفتي متعثراً…
فأسرع لاستقباله، ومساعدته في الوصول إلى مقعده.
أرحب به، وأسال عن أحواله، وأعبر عن فرحتي بزيارته.
أمثّلُ أني أقوم بدور المضيف.
فأسرع بتقديم الضيافة: شيبس وشوكولا في الأيام الباردة، وفي الصيف كأس من البيبسي كولا.
.كيف حالك أبا عبدو؟ –
. منيح –
. كيفه ابنك عبدو؟
يضحك فادي بخبثٍ بريء: منيح –
شو عم يعمل؟ –
. يدرس –
آه في كلية التربية الموسيقية؟ –
يضحكُ فادي ويُمطرني برضابه فأمسحه بمحارم ورقية.
لا أكرر تلك المسرحية، ففي اليوم الذي يليه، أستقبله، لكني مشغولٌ بالفيس بوك، أو بالعمل على اللاب توب، لكني أخترع مشهداً أني زعلان منه وسأحرمه من الأكل الطيب، وبناءً عليه أقوم باحتفالية مسرحية، أقول له إنني اليوم من سألتهم الشيبس والشوكولا، فيضحك بخبثٍ طفولي. أضع الشيبس في وعاءٍ بلاستيكي عميق نسبياً، وأنا أترنم بأغنيةٍ مبهجة، إذاً سألتهم الشيبس لوحدي. أنظر في شاشة اللاب توب، وأُصفر أنّ ثمة شيئاً هاماً يجب أن أكتبه. أقول لفادي: سأضع الشيبس أمامك يا بابا كي تحرسه، لحين انتهاء عملي المفاجئ، وأمثل أني مشغولٌ جداً. فادي يلتهم الشيبس ضاحكاً ومسرعاً كلصٍ جميل. وحين ينتهي، أعلن انتهاء عملي، وأنه آن الأوان لأستمتع بوجبة شيبس “عرمرمية”، وأني سعيد. أنظر إلى الوعاء الفارغ تماماً، وأطلق صرخات من التعجب والاستفسار عمّا حدث، أين طار الشيبس؟ من الذي التهمه؟ يا رب الملكوت.
هنا يضحك فادي لحد الاختناق، وأنا أزيد من انفعالي وحزني وتساؤلاتي الشكسبيرية، وأسأله: فادي! أين الشيبس؟ ولماذا لم تنتبه لغيابه؟ يضحك ويضحك ويضحك ويشير إلى بطنه، لكني أتجاهل الإشارة، وأزيد من انفعالاتي ولومي له على استهتاره، وقلة حرصه على شيبس أبيه، هنا يعترف فادي بأنه هو من أكل الشيبس، فأثور قليلاً، ثم أضمه: صحة وهنا يا بابا. وهكذا أفعل بقطع الشوكولا، إذ أعطيه قطعة برسم الأمانة حتى أنتهي من شغلي، وأطلب منه أن يردَّها لي، فيضحك ويضحك ويضحك …
يحدثني فادي ويسألني متى تنتهي الزلازل والكورونا والحرب، ويحدثني عن انقطاع الكهرباء الطويل ومواعيد التقنين “الخنفشارية”، ويدعو الله أن يكون الجو صحواً يوم غدّ لينالَ حمّامه الشمسي، ثم يغيب مترنماً في الأغاني التي أحضّرها له، فهو محبٌّ للأصوات والأغاني، ففادي لا يملك رؤية كاملة، هو يعتمد على سمعه أكثر.
هكذا تمضي أمسياتنا، هو يضحك ملء قلبه، وأنا أبكي ملء قلبي، لكني أخترع الفرح ليفرح.
وينام فادي فأغطيه بما تيسر من الأغطية ومن روحي وأقبل سنواته الست والثلاثين.
في الليل البهيم أجلس لوحدي، ثم أدخل في سرداب خمرٍ رخيص، لأنسى، وأغسل تعبي وألمي الذاتي وجراح البلاد التي صارت في العناية المركزة. وأحياناً، أُناجي القدرة الكلية، الإله: أقول له بودّ: يا رب، إذا كنتَ تختبرني بفادي فأنا “محسوبك”، لا أطلب منك إلا العافية، لأقوم بما يجب عليّ فعله من أجل فادي.