منصة إرادة- مياس سلمان
ربما يبدو الاقتتال والاتهامات والتشكيك، السمة الغالبة للسوريين على بوستات وسائل التواصل الاجتماعي، لكن. بالنسبة لكثيرين، خاصة، نحن، ذوي الإعاقة، تبدو الصورة أكثر هدوءاً وتنوعاً.
ربما للمرة الأولى، نشعر أننا نستطيع التحرك بحرية دون كراسينا المدولبة، ونجرب صعود أدراج من الأمنيات دون أن نخشى الوقوع، (أو الدفش)، ونستطيع الحوار دون جيوش من الوسطاء “الروحيين: والسياسيين الذين يرغبون بالحديث عنا وحولنا وباسمنا.
منذ بدء الحديث عن سوريا الحرة الجديدة، بدأ الجميع يحاولون الخروج من قواقعهم المسكونة بالخوف واليأس، ويجهزون أنفسهم للعب دور أكبر في بناء سوريا الجديدة. فكل شخص يريد أن يصبح البلد يناسب أحلامه وطموحاته، وبالتأكيد أن الأشخاص ذوي الإعاقة جزء كبير من هذا النسيج السوري الذي يريد أن يثبت وجوده وأحقيته في الحياة ويكون على قدر المسؤولية.
باعتباري ناشطاً حقوقياً من ذوي الإعاقة، وأعمل منذ سنوات في هذا المجال، تمت دعوتي لتشكيل عدة فعاليات على الإنترنت تضم العشرات من ذوي الإعاقة داخل وخارج سوريا. هي عبارة عن مجموعات بعضها منظمة والبعض الآخر يشوبها الفوضى وعدم وضوح الرؤيا بمسميات مختلفة مثل المنتدى الثقافي لذوي الاحتياجات الخاصة والمجلس الاستشاري لذوي الإعاقة، رابطة شؤون الإعاقة، إلى آخره من المسميات، ولكن لها جميعها هدف واحد: إيصال الصوت للقيادة الجديدة، نحن موجودون ويجب عدم تهميشنا.
الشيء الإيجابي الأجمل في الموضوع أن قضية الأشخاص ذوي الإعاقة كانت من أول القضايا التي وحدت السوريين سواءً في الداخل أو في بلدان اللجوء. مع اختلاف الطريقة التي يتم النظر بها للموضوع، البعض يريد استجابة طارئة تنظر للشخص ذوي الإعاقة كضحية من ضحايا الحرب لا بد من توفير الاحتياجات الأساسية الضرورية له للحياة من منطلق خيري بحت مبني على الاحتياج والتدخل، والبعض يحمل فكراً متطوراً أكثر ينظر للأشخاص ذوي الإعاقة نظرة شمولية مبنية على نظرة حقوقية قائمة على فكرة ضرورة أن يكون لهم صوت وحضور في الحراك السياسي والقانوني القادم لبناء سوريا الجديدة.
مؤخراً حضرت اجتماعاً على الإنترنت لمدة ساعتين ونصف منظماً ورائعاً جداً، ضم أكثر من ثلاثين شخصاً من ذوي الإعاقة ومهتمين من مختلف أنحاء سوريا وبلدان اللجوء. ضم أشخاصاً من أقصى درعا إلى شمال إدلب وحلب وأرياف ومنبج وعفرين بالإضافة إلى بعض الأشخاص من ذوي الإعاقة المهجرين في تركيا والأردن وأشخاص من دمشق وحمص والساحل. يمكن القول إنه أوسع اجتماع يخص الإعاقة يحمل كل هذا التنوع المكاني والثقافي من كل سوريا أحضره في حياتي.
كل شخص تحدث عن تجربته وعن واقع ذوي الإعاقة في المكان الذي يعيش فيه بمنتهى الحرية والصراحة. لنصل لنتيجة في نهاية الاجتماع أن واقع السوريين من ذوي الإعاقة سيء جداً أينما كانوا وإن الواقع السوري المدمر تحت الصفر، وإن الخدمات المقدمة غير ملبية للطموح ونحتاج لتحرك كبير وفعال على مستوى الأفراد والمجتمع والدولة والمنظمات لتخفيف المعاناة الشديدة الاقتصادية والاجتماعية والبنية التحتية المدمرة بطريقة منظمة للوصول لواقع أفضل بقليل للأشخاص ذوي الإعاقة.
لم تكن الإعاقة هي الموضوع الوحيد للنقاش، بل بدأنا نتحدث عن التعليم والرياضة ومستقبل سوريا السياسي القادم بطريقة تدعو للاحترام. فأسلوب التعامل فيما بيننا كان راقياً جداً ويحمل الكثير من احترام الرأي الآخر رغم أننا لم نلتقِ مسبقاً لا بالواقع ولا افتراضياً من قبل. أكثر شيء كان مؤثراً أن بعض الأشخاص من ذوي الإعاقة في بلدان اللجوء يرغبون بالعودة للوطن، ولكن بيوتهم مدمرة وغير صالحة للسكن. فحسب إحصائيات المنظمات الدولية أكثر من نصف المباني مدمرة بالكامل ولا تصلح للسكن. فقبل أيام وبعد الثورة سمح بالتغطية الإعلامية وإظهار الوجه الحقيقي لمدن لم يكن التصوير فيها مسموحاً مثل داريا ومخيم اليرموك وغيرها من المدن السورية التي كانت مكتظة بالسكان وأصبحت مدن أشباح. لم يكن يسمح سابقاً بعودة الأهالي المهجرين إليها.
قانونياً، الجميع كان متفقاً بأنه لا يجب العودة إلى الصفر. فلا حاجة لبناء قوانين جديدة، بل يمكن استغلال الأشياء الإيجابية التي تضمنها المرسوم التشريعي رقم /19/ لعام /2024/ الذي أجمع الجميع أنه لم ينفذ وبقي حبراً على ورق، ويكفي تطوير بعض بنوده، وأن يكون أي تشريع سيصدر لاحقاً منسجماً مع بنود الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي انضمت إليها سوريا منذ عام /2007/ حتى يصبح الأشخاص ذوو الإعاقة متمعين بحصانة قانونية تضمن حقوقهم.
الجميع أجمع في النهاية أن واقع الأشخاص ذوي الإعاقة في سوريا صعب جداً نتيجة تراكمات طويلة، ولا أحد يملك عصا سحرية لتغيير الواقع بين ليلة وضحاها. بل سيحتاج إلى عمل جاد وطويل لسنوات وسنوات لتخفيف المعاناة في البداية ومن ثم الحديث عن الدمج والتغيير الشامل وصولاً لمجتمع متنوع يضمن حقوق الجميع مهما كان نظام الحكم أو شكل المستقبل السياسي القادم. فالأشخاص ذوو الإعاقة ليسوا أقلية، بل يشكلون حسب إحصائيات المنظمات الدولية أكثر من ربع السكان، وبالتالي لا بد من الاستفادة من إمكانياتهم وتطويرها ليصبحوا مساهمين بشكل حقيقي في بناء سوريا الجديدة.
أخيراً، يمكن القول إن ذوي الإعاقة توحدوا من جديد تحت مسمى واحد. لم يعد هنالك إمكانية لذكر مصطلح جرحى الجيش المؤيد أو جرحى الثورة المعارِضة وغيرها من التسميات، بل أصبحوا جميعاً سوريين يجب أن يتعالوا على جراحهم ويرصوا الصفوف فيتحدوا جميعاً لأجل قضية الأشخاص ذوي الإعاقة وصولاً إلى مستقبل يضمن حقوق الجميع منهم.