الإرادة

تجديد ترخيص الجمعيات أم فتح كل ملفاتها؟

مياس سلمان

هذا الأسبوع، تنتهي المهلة المتاحة للجمعيات السورية لتجديد تراخيصها وتقديم كافة  الأوراق المطلوبة لتستطيع متابعة عملها، وذلك حسب التعليمات التي أصدرتها الحكومة المؤقتة بداية كانون الثاني الماضي. وفي وقت اعتبرت كثير من هذه الجمعيات أن المستندات المطلوبة لتجديد التراخيص تبدو شروطاً صعبة وحتى تعجيزية، يرى آخرون أن الجمعيات السورية لا تحتاج فقط أن تقدم بعض الأوراق لاستئناف نشاطاتها وإعادة مزاولة أعمالها “كأن شيئاً لم يكن”، بل يجب “فلش” وإعادة فتح وتدقيق كل أوراقها وملفاتها التي أكلها الغبار والفساد.

تجديد الترخيص ضروري

وأصدرت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التعميم رقم /5201/ الخاص بتأسيس المنظمات غير الحكومية سواء كانت جمعية أو مؤسسة أو فريق، واشترط قرار الوزارة، تقديم مجموعة مستندات، منها طلب تأسيس موقع من مؤسسي المنظمة ومحضر انتخاب مجلس إدارة، ونظام داخلي، بالإضافة إلى خلاصة سجل عدلي للأعضاء المؤسسين، وكشف حساب بنكي. وفي حال كانت المنظمة غير الحكومية مرخصة سابقًا يجب تقديم طلب تجديد ترخيص واستكمال للثبوتيات (محضر آخر اجتماع، توزيع مهام مجلس الإدارة، نسخة عن النظام الداخلي، تقرير أعمال عام /2024/ والمشاريع القائمة ونسخة عن أخر ميزانية ختامية وكشف حساب مصرفي وأوراق غير محكوم لأعضاء مجلس الإدارة) وذلك قبل تاريخ 15/2/2025.

حنين أحمد، وهي ناشطة مجتمعية من حمص تقول: أنها مع التعميم وهو ضروري لأن الوزارة الجديدة لا تملك معلومات وبيانات، ولكن الأهم من ذلك إصدار قانون حديث للجمعيات والعمل المدني، وتضيف حنين نحن نطالب بتحديث قانون الجمعيات من قبل سقوط النظام لأن القانون قديم يعود لنصف قرن ولم يتغير منذ عام /1958/.

من جهتها، ترى عتاب محسن وهي محامية وعضو في جمعية تلاقي الثقافية في طرطوس أن تجديد الثبوتيات، أمر طبيعي لأن تراخيص الجمعيات كلها تعود لفترة النظام السابق، ويمكن للإجراءات الجديدة أن تعيد تنظيم العمل وتبني الثقة بين الجمعيات والحكومة الجديدة. وتضيف أن معظم الثبوتيات لا تعتبر شروطاً تعجيزية ويفترض وجود هذه الثبوتيات داخل كل جمعية. 

لافتة أعمال الخير

في المقابل، لاقي التعميم /5201/ رفضاً من إدارات الجمعيات الكبيرة التي رأت أن ‏بعض المستندات المطلوبة غير ضرورية وتشكل عرقلة لعمل الجمعيات خاصة النظام الداخلي “لأن كل جمعية لها طبيعتها وخصوصيتها ومجال عملها والبعض من هذه الجمعيات أيضاً يحتاج لبعض السرية” حسب اتحاد الجمعيات الخيرية في دمشق وريفها الذي عقد اجتماعاً مع اتحاد حلب ضم ممثلي /157/ جمعية خلصوا أن التعميم مخالف للقانون رقم /93/ لعام /1958/ الناظم لعمل الجمعيات في سوريا، كما طالب الاجتماع “بضرورة السرعة بتجديد التراخيص لما لها من دور كبير بتوزيع المساعدات وتخفيف المعاناة عن الشعب السوري في هذه الظروف الصعبة، وطالبت بفتح سقف السحب من البنوك لتسديد الكفالات للأيتام وشراء المواد ومساعدة الناس كون هذه الجمعيات غير الحكومية تشكل شبكة أمان اجتماعي للدولة والناس” حسب تعبيرهم.

لكن المنتقدين لعمل الجمعيات، يرفضون الاختباء خلف لافتة “أعمال الخير” ويشيرون إلى فضائح بالجملة من توزيع السلال الغذائية وبيع المساعدات في السوق وصولاً إلى التعاون مع الجهات الأمنية لإخفاء هوية أبناء المعتقلين، إلى جانب عشرات من الإشكاليات المعقدة والملفات المشبوهة التي أدت تدريجياً لضعف الثقة بين السوريين والمنظمات غير الحكومية، وكما يشير موظف سابق في وزارة الشؤون “فكثير من رؤساء الجمعيات أصبحوا يملكون ثروات كبيرة وكان يتم التحاصص على ما ترسله المنظمات الدولية من معونات فيما جمعيات أخرى، صغيرة ومحلية تعمل بصمت، لم تحصل على شيء”، مضيفاً أن الجمعيات أصبحت ممالك لأصحابها حيث لم تتغير مجالس إدارتها ولا مجالس الأمناء منذ سنين، فيما الأنظمة الداخلية معطلة وأحياناً غير موجودة.

نصف قرن على القانون 93

ينظم قانون رقم 93 لعام 1958عمل الجمعيات والمؤسسات الخاصة، وتمّ تبنيه أثناء الوحدة بين مصر وسوريا. وفي عام 1969 عدلت السلطات السورية من بعض أحكام القانون بالمرسوم التشريعي رقم 224 (النافذ حالياً) بحيث زادت من رقابة الدولة على الجمعيات.

وأحد الأحكام الأساسية التي أضافها المرسوم التشريعي رقم 224 هو السماح للحكومة بدمج الجمعيات التي تؤدي أعمالاً متشابهة. كما أن القانون المذكور منح وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل صلاحية حلّ أي جمعية في حال مارست نشاطاً يمسّ بسلامة الدولة دون تحديد المقصود بهذه الأنشطة، وإنما ترك الأمر لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وبحسب المادة 36 تعتبر قرارات الوزارة في الحالات المذكورة قطعية ولا تقبل أي طريق من طرق المراجعة.

تضمنت المادة رقم 14 في التعليمات التنفيذية تاريخ 8 آب/ 1974، الرفض الحكمي لطلبات ترخيص المنظمات غير الحكومية التي لها أهداف مماثلة مع المنظمات الشعبية؛ في امتداد “لفلسفة الحزب الواحد” التي كرّسها البعث داخل المجتمع المدني في نموذج يجعله متطابقاً مع بنية السلطة.

وقد نصّب القانون وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل الجهة المسؤولة عن إدارة القانون، بما في ذلك ممارسة سلطة حل الجمعيات، إلا أنه عملياً كان للسلطات الأمنية يداً عليا، وذلك من خلال فرض وجوب الحصول على موافقة ثلاث أجهزة أمنية هي أمن الدولة والأمن السياسي والأمن العسكري.

كما منحت اللائحة التنفيذية لهذا القانون، الجهات المختصة حق البت في ترخيص أي جمعية بعد إجراء تحقيق عن المؤسسين عن طريق إدارة الأمن العام، إضافة إلى حقها في أن تعين ممثل أو أكثر للوزارة في مجالس المؤسسات.

ثلاث نقاط

من جهته، يرى الباحث والناشط الحقوقي نورس العبدالله أن هناك ثلاث نقاط تخص التعميم ينبغي الوقوف عندها، النقطة الأولى: الاعتماد على قانون الجمعيات لعام 1958 وبناء التعميم على أساسه، وهو ما يعني حتمياً نقل كل إشكاليات هذه النصوص القانونية وهي بمجملها خارج الزمن والصلاحية.

النقطة الثانية: أن التعميم علّق الترخيص الدائم على إرادة الإدارة وبعد تقييم أداء المنظمة/الجمعية/الفريق، وهو ما يبتعد أساساً عن فكرة التسجيل بوصفه حقاً وإجراءً كافياً لاكتساب الشخصية الاعتبارية، وبالتالي فإن ذلك يُوسّع من الدور الرقابي للإدارة العامة -بما يتجاوز الرقابة المالية ومتطلّبات الامتثال القانوني المفهومة -وهو ما يفتح الباب أمام المزاجية الوظيفية المعتادة في سوريا.

النقطة الثالثة، تتعلق بمعاملة الفرق التطوعية والمبادرات المحلية والتي لا تدير عادة أموالاً أو تقدّم استجابة إنسانية ضخمة، معاملة المنظمات غير الحكومية الكبيرة، فلا يُعقل معاملة تأسيس فريق تطوعي من عشرة أشخاص معاملة تأسيس منظمة إنسانية وهو ما قد يؤدي إلى إخماد تدريجي للنشاط المدني التطوّعي بأشكاله المجتمعية الصغيرة.

ضوابط جديدة

ومع تصاعد الأزمة الإنسانية، تزايدت أعداد المنظمات غير الحكومية في جميع أرجاء سوريا، ولعبت دورًا كبيراً في سد النقص الذي سببه تراجع دور الحكومة في تقديم الخدمات خاصة الإغاثية، وعملت على تخفيف بعض المعاناة عن الشعب السوري، وفي نفس الوقت، لا يختلف اثنان أن هناك بعض الجمعيات يسودها فساد كبير وهدر للأموال وأصبحت وسيلة للثراء غير المشروع والمنفعة والظهور الشخصي، كما أن بعض مؤسسي أو ممولي الجمعيات كانوا (ومازالوا) رجال أعمال من حيتان المال وهم شخصيات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالنظام السابق الذين يعملون على تحسين صورتهم بادعاء عمل الخير أو بهدف تبييض الأموال، ما يفرض الحاجة الآن لوجود ضوابط واضحة تنظم عملها على أساس قانوني بعيداً عن الفساد والشخصنة، والمحسوبيات.

في النهاية يجب الاعتراف أن الأوضاع الإنسانية تفاقمت بعد التحرير وازدادت نسبة الفقر والبطالة مع وجود مئات ألاف الأيتام من جميع أطراف النزاع السابق، كما أن وضع المخيمات في إدلب وريف حلب لم تتحسن بل تفاقم وضعها سوءاً وتحتاج لتدخلات كبيرة وعاجلة من الجمعيات والمنظمات بهدف تخفيف المعاناة.