الإرادة

بطلا المتحف المجهولان: أبو النور وأبو خليل

  منصة إرادة – مادلين جليس             

في ليلة سقوط نظام بشار الأسد، لم يناما، لم يهربا… كانا هناك، حاميا المتحف الوطني بدمشق المجهولان: شاهين شاهين “أبو النور” ومحمود الخطيب “أبو خليل”..

أبو النور: روح المتحف

لم يكتب القدر لـ شاهين شاهين، المعروف بـأبي النور، دراسة الآثار، بل اتجه إلى الدراسة الفندقية وعمل في أحد الفنادق. لكن حبه للآثار والمتاحف قاده للعمل في المتحف الوطني بدمشق. ثلاثون عامًا، قضاها أبو النور بين أحجار المتحف، عاصر أجيالًا، وتعرف على كل أثر كصديق، حفظ معلوماتها وأصبح مرجعًا للزوار والسياح. لم يتغيب يومًا واحدًا عن دوامه؛ كيف يغيب عن هذه الآثار التي رعاها كأبنائه؟ وكيف يغفل عنها وهو الذي حفظ قصصها وتفاصيلها عن ظهر قلب؟

أبو خليل: قلب المتحف

أما محمود الخطيب، الملقب بـأبي خليل، فيتلعثم عندما يتكلم عن المتحف الوطني، فهو كوالده كما يصفه: “هذا المتحف هو جزء مني هو كأبي”. لأكثر من 35 عامًا، اعتنى بالورود، مسح الغبار، سقى أشجار حديقة المتحف، وابتسم لكل من صادفه. أصبح الزوار يسألون عنه وكأنه صديقهم، زميل دراستهم، أو عمهم القريب. يقول أبو خليل: “هذا المكان هو بيتي، به تتنفس روحي وبه أجد نفسي، ومهما تقدم بي العمر، سأبقى حارس المتحف الوفي له ولآثاره”.

ليلة السقوط... والصمود

في ليلة سقوط النظام، اجتمعت هواجس أبي خليل ومشاعر أبي النور في لهفة واضحة لحماية المتحف الوطني بدمشق. على الرغم من أن أبا النور كان موجوداً في منزله ليلة السقوط إلا أنه لم يتمالك نفسه، وخرج مسرعاً من منزله قاصداً منزله الثاني، المتحف الوطني. يروي أبو خليل أن أصوات إطلاق النار ملأت الجو فرحاً وابتهاجاً، لكن في المقابل، كان هناك من يحاول اقتناص هذه اللحظات للسرقة والتخريب.

حاول مخربون اقتحام المتحف والتهجم عليه، لكن الأبواب كانت مغلقة بأقفال إلكترونية، ولا يمكن فتحها إلا من داخل المتحف نفسه. سمع أبو خليل أصوات محاولات فتح الباب، لكنه لم يرضخ. عندما بدأ الرصاص يوجّه نحو الباب، وقف أبو خليل عند إحدى النوافذ وطلب من المهاجمين التراجع. ولما لم يتوقفوا، استخدم بنادق الحرس الذين فروا لحظة السقوط، وأطلق عدة أعيرة نارية في السماء، مما أدى إلى تراجع المهاجمين وابتعادهم عن باب المتحف. من ثم نادى عليهم مرة أخرى، وقال: “هذه آثار سوريا وتاريخ سوريا، أرجوكم حافظوا عليها”. خفتت الأصوات وتراجع المهاجمون.

في تلك اللحظات، كان أبو النور يسير نحو المتحف تحت الرصاص العشوائي. كان يركض ويتوقف، يظن في كل دقيقة أنه لن يصل للمتحف أو لن يعود للبيت. يقول: “بحماية إلهية استطعت الوصول إلى المتحف بسلام واستطعت الاطمئنان عليه أيضاً”.

فرح أبو خليل لمجرد مشاهدة أبي النور قادماً باتجاهه، فتح له أبواب المتحف وركض إليه، لكن الدخان المتصاعد كان أسرع من صوت أبي خليل، وبمجرد رؤية أبي النور للدخان، هرع إليه أيضاً واتجه الاثنان نحو مصدر الدخان.

لأكثر من ساعتين، عملا على البحث عن مصدر الحريق وإطفائه، الذي تبين أنه في مرآب السيارات خلف المتحف، لكن فوهات الهواء كانت تنقل الدخان لداخل المتحف، مما أوهم الجميع أن الحريق بداخله. أطفأ الرجلان الحريق وفتحا كل الأبواب والنوافذ لخروج الدخان، فعادت أنفاس الطمأنينة. “الآن المتحف بخير، إذًا نحن بخير”.

تلقى شاهين شاهين عدة اتصالات من وزيرة الثقافة ومديرة المتحف ومدير الآثار، للاطمئنان على المتحف. انتهى الأمر بزيارة وزيرة الثقافة السابقة ديالا بركات للمتحف وإبلاغ أبي النور وأبي خليل بضرورة تسليمه لغرفة العمليات العسكرية لتتولى حمايته.

يقول أبو النور: “جاء أحدهم، ناداني بالاسم من عند الباب، كان أحد شباب هيئة تحرير الشام. طمأنني ثم دخل المتحف مع عدة رجال. قاموا بجولة واطمأنوا على وضعه وعدم تعرضه لأي سرقة أو تخريب أو اعتداء”.

وكما التقت هواجس أبي النور وأبي خليل لحماية المتحف الوطني، تلتقي اليوم مشاعرُ كلّ السوريين امتنانًا لهذين الرجلين، لتقول لهما: شكراً

المتحف، وآثاره، وكل السوريين الشرفاء ممتنون لكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *