منصة إرادة- مياس سلمان
صدر هذا الشهر المرسوم رقم 66 لعام 2025 القاضي بتشكيل اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب. ربما يكون وجودُ “برلمان” يكون فيه صوت الشعب مسموعًا ويُمثّل فيه كل مكونات المجتمع دون أي إقصاء الحلمَ الأكبر للسوريين.
ويعتبر وجود سلطة تشريعية أمراً هاماً وضرورياً لإصدار وتعديل القوانين والتشريعات، خصوصاً أن الإعلان الدستوري لم يمنح رئيس الفترة الانتقالية أحمد الشرع صلاحية إصدار القوانين. يثير الإطار الجديد المقترح لتشكيل هذا المجلس تساؤلات بشأن الأسس التشاركية والتعددية المتبعة، خاصة مع اعتماد آليات تختلف عن الانتخابات المباشرة.

من المطالبة بالاستقلال إلى "مسرحية" الأسد
تعود الذاكرة البرلمانية إلى عام 1919، ثم إلى انتخابات 1931 في عهد الانتداب الفرنسي، حين توحدت جهود البرلمانيين السوريين للمطالبة بالاستقلال، حتى قُصف البرلمان في عام 1945، ليتحول قصفه إلى شرارة دفعت باتجاه الحرية.
شهدت الفترة بين عامي 1946 و1970 عدة انقلابات وعدم استقرار سياسي. ومع انقلاب حافظ الأسد عام 1970، أصبحت دورات مجلس الشعب كل أربع سنوات. لكن الحكاية ظلت ثابتة. ورغم أن الأعضاء كانوا يُختارون بالاقتراع السري والمباشر، إلا أن الواقع كان مختلفاً تماماً. فقد كانت الانتخابات خلال حكم الأسدين “مسرحية هزلية”، حيث كان يتم “تعيين” أعضاء موالين بشكل مطلق من خلال قائمة “الجبهة الوطنية التقدمية” التي يكون أكثر من ثلثي أعضائها من حزب البعث الحاكم. بعض الكراسي كانت لمستقلين من رجال الأعمال “الموالين” أيضاً. وظلت هذه الطريقة حتى سقوط النظام. كانت القوائم تراعي توزع المناطق الجغرافية والطوائف والحرص على تمثيل المرأة وبعض وجهاء العشائر، ولكن كان الشرط الوحيد لاختيار شخص ما، كبرلماني هو (الولاء المطلق للحاكم) والخنوع للسلطة التنفيذية، ليصبح المجلس أشبه بـ”مجلس للمصفقين”. لم يكن المرشحون بحاجة لبرامج انتخابية، بل اكتفوا بشعارات سطحية، لانتخابات محسومة مسبقًا.
المجلس المرتقب: تعيين غير مباشر
اليوم، بعد عقود من تلك “المسرحيات”، يُطرح مجلس شعب جديد. الرئيس أحمد الشرع، الذي تسلم زمام الأمور في هذه الفترة الانتقالية الممتدة لخمس سنوات، يمتلك بموجب “الإعلان الدستوري” صلاحيات واسعة بما في ذلك سلطة إعلان حالة الطوارئ وتعيين أعضاء الهيئة التشريعية الانتقالية.
ومع إعلان مرسوم تشكيل اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب في حزيران 2025، بدأت تتضح معالم المجلس الجديد: 150 عضوًا، ثلثهم (50 عضوًا) يعينهم الرئيس مباشرة، والثلثان الآخران (100 عضو) يتم اختيارهم بطريقة غير مباشرة عبر لجان فرعية محدودة العدد في كل محافظة بحيث يراعى التوزع الجغرافي. وسيتم اختيار “التكنوقراط والأكاديميين” بنسبة 70% و”الشخصيات المجتمعية البارزة” بنسبة 30%.
ومن المتوقع أن تنتهي اللجنة “من تشكيل مجلس الشعب” خلال مدة ثلاثة أشهر كحد أقصى، ولم يتضح حتى الآن الآلية الدقيقة لعمل اللجنة العليا للانتخابات أو طريقة اختيار الهيئات الناخبة الفرعية في كل محافظة لاختيار ممثلي كل محافظة أو طريقة الترشح.

أين موقع الولاء من الانتخابات؟
شهد الأسبوعان الماضيان جولات للجنة الانتخابات في عدة محافظات سورية، ولم تخل هذه الجولات من انتقادات حادة وجهت للجنة، لعل أبرزها مداخلة المحامي فواز الخوجة في دمشق الذي طالب بتحييد الخطاب الديني عن الانتخابات، ومداخلة الفنان همام الحوت الذي طالب أن يصدر قرار بمنع أعضاء اللجان الانتخابية من ترشيح أنفسهم، لأنهم لا يمكن أن يكونوا “الخصم والحكم” في نفس الوقت على حد تعبيره.
“صار السوريون يتداولون برامج انتخابية بلا انتخابات!” هذه الجملة التي قالها أحد المحامين في حمص أثناء الجلسة الحوارية عن انتخابات مجلس الشعب، تلخص المفارقة اليوم. فبعد أن كانت هناك “انتخابات” بلا برامج انتخابية، أصبح البعض ينشر “برامج انتخابية” في صفحات الفيسبوك، بينما الشعب نفسه لن يصوّت لأعضائه.
بالمحصلة، سيكون قسم كبير من أعضاء الهيئة التشريعية معينون رئاسياً، فيما الهيئات الانتخابية المحلية، التي سيتم تعيينها من قبل اللجنة العليا للانتخابات ستقوم، بانتخاب ثلثي أعضاء البرلمان المتبقين في طريقة تبدو أقرب للتعيين غير المباشر. في الحالتين، فإن السؤال عن مدى تأثير الولاء للسلطة على التعيين مطروح بقوة. طرح كثير من النشطاء خلال اجتماعات اللجنة في المحافظات تساؤلات حول تأثير هذه الآلية على استقلالية الهيئة التشريعية وإضعاف مساءلتها للسلطة التنفيذية، خاصة مع وجود إمكانية كبيرة لتشكيل “كتلة تصويت حاسمة” موالية للحكومة.
تذكر اللجنة العليا صراحة أن هذا النهج مصمم ليناسب “الطبيعة الانتقالية”، وأن الغرض الأساسي للمجلس تأدية وظيفة “تشريعية” وليست “تمثيلية. ومع ذلك، فإن تصنيف الأعضاء هذا إلى “وجهاء ومثقفين” يثير مخاوف من أنه قد يؤدي عن غير قصد إلى استبعاد مجموعات أخرى، مثل العمال والفلاحين. يجادل بعض المحامين بأن هذا النموذج الجديد ينذر بعودة النخبوية السياسية بدلاً من تعزيز المشاركة الشعبية الحقيقية. علاوة على ذلك، فإن غياب الأحزاب السياسية يثير مخاوف جدية بشأن احتمال ظهور نظام سياسي غير تعددي، يفتح الباب أمام إرساء شكل جديد من الهيمنة السياسية تحت ستار جديد.
نساء سوريا.. صوتٌ يبحث عن مكانه:
رغم أن اللجنة العليا أكدت سعيها للوصول إلى تمثيل نسائي بنسبة 20% في المجلس، إلا أن الواقع يبدو أكثر تعقيدًا.
زينة شهلا، الصحفية التي حضرت جلسة تعريفية في دار الأوبرا، شعرت بالإحباط من الحضور الخجول للنساء، حيث لم تتجاوز نسبتهن 10% من الحاضرين. تتساءل زينة في منشوراتها: “كيف سيتم تشجيع النساء على الترشح والمشاركة للوصول إلى نسبة الـ20% الموعودة؟”.
أما حنين أحمد، الناشطة المدنية من حمص، فصوتها يعكس عدم التشجع العام: “أنا غير متشجعة للترشح. آلية الترشح غير واضحة، وأعتقد أن الأمر كلَّه سيكون بيد الهيئة الناخبة الفرعية، وبالتالي بيد السلطة التنفيذية. لن تكون متاحة للجميع.”
ذوو الإعاقة.. خطوة أولى نحو الاعتراف:
ذوو الإعاقة.. خطوة أولى نحو الاعتراف:
لأول مرة، يخصص المجلس الجديد نسبة تمثيل لذوي الإعاقة، لا تقل عن 3% (ثلاثة أعضاء على الأقل). هي خطوة تُعد مقبولة نوعًا ما، حتى وإن كانت لا تمثل نسبتهم الحقيقية في المجتمع السوري التي تبلغ 26%.
وقد أصدر الحراك السوري لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة بياناً عبر فيه عن رفضهم القاطع لقرار اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب بتخصيص كوتا بنسبة 3% فقط للأشخاص ذوي الإعاقة الجسدية في مجلس الشعب. واعتبر الحراك هذا القرار “تمييزياً يعزز الإقصاء البنيوي ولا يتسق مع المعايير والممارسات الدولية الفضلى”.
عبادة العاسمي، الناشط الحقوقي من درعا المقيم في الأردن، رحب بالخطوة: “إن تخصيص مقاعد لذوي الإعاقة أمر جيد. من المفترض أن يساهم مجلس الشعب بسن القوانين التي تراعي مصالح جميع شرائح المجتمع.” ويتمنى عبادة أن يكون الممثلون أشخاصًا ذوي خبرة تسهم في تحسين حياة ذوي الإعاقة.
لكن المفاجأة كانت على وجه محمد رشيد حسن، وهو شخص من ذوي الإعاقة خاض تجربة الترشح سابقًا، حين سمع بالخبر: “لا أعلم شيئًا عن طريقة الترشح والانتخاب، ولا عن نسبة 2% لذوي الإعاقة. هذا يدل على أن اللجنة العليا للانتخابات لم تتمكن حتى الآن من الوصول لشرائح مختلفة لتشجيع الناس على الترشح.”
أما أحمد، وهو من الصم، فكان رده صادمًا وبسيطًا في آن واحد: “أنا غير مبالٍ بهكذا خبر. الظروف الاقتصادية الصعبة وعدم وجود عمل هو الأمر الذي يشغلني.”
فيما يرى يزن من اللاذقية، بنبرة متشائمة: “أنا غير متفائل. أعتقد أن الأشخاص الممثلين لذوي الإعاقة سيتم تعيينهم من الرئيس مباشرة، وسيكونون على الأرجح من جرحى الحرب، مكافأةً لهم على ما قدموه خلال سنوات الحرب.”

حلم لا يزال ينتظر
من المتوقع أن يبقى هذا المجلس أربع سنين يقوم خلالها بوضع قوانين الانتخابات وإعادة هيكلة الهيئات الانتخابية وإصدار قوانين الأحزاب والجمعيات. حتى ذلك الوقت، يبقى الحلم السوري الأبدي أن تجري في سوريا انتخابات حرة ونزيهة، يصل من خلالها إلى مجلس الشعب أصحاب الكفاءات الحقيقية، بعيدًا عن المال السياسي والولاءات؟ حلم الشعب لا يزال ينتظر أن يتحقق، وأن يختار ممثليه بحرية، ليكونوا على قدر تطلعاته. فهل يكون هذا المجلس الجديد بداية للحلم الذي رافق الثورة ببناء دولة عادلة وديمقراطية، أم مجرد حلقة أخرى في مسلسل الصراع على السلطة؟
مجلس الشعب: ملامح التشكيل والآليات
عضواً
إجمالي عدد الأعضاء
الرئيس يقوم بتعيين ثلثهم مباشرة
شهراً
مدة الخدمة
قابلة للتمديد
لجنة
اللجنة العليا تقوم بتشكيل لجان فرعية انتخابية
توجه التشكيل
70% أكاديميون وخبراء
30% شخصيات مجتمعية ووجهاء
★توزيع المقاعد الانتخابية على المحافظات
الكوتا المخصصة لتعزيز التمثيل
كوتا النساء: 20%
ما يعادل 30 عضوة على الأقل.
كوتا ذوي الإعاقة: 3%
ما يعادل 5 أعضاء على الأقل.
One Response
يعطيك الف عافية
معلومات شاملة ومحادثات مع اشخاص يشكلون صلب الموضوع
اظن انه لا يمكن ايفاء هكذا موضوع بشكل افضل
شكرا لجهودك ويبقى الامل موجود بحياة حرة ديمقراطية