مع دخول الاشتباكات الدامية في محافظة السويداء يومها السادس على التوالي، تتوالى بيانات “النصر” الصادرة عن الأطراف المتحاربة، بينما تتغير خريطة السيطرة على المواقع الحيوية بين الجماعات المسلحة المحلية، والفصائل العشائرية، وقوات النظام.
وبينما يشعر ملايين السوريين بالحزن وخيبة الأمل أمام مشهد الاقتتال الداخلي الذي أودى بحياة المئات، يتدهور الوضع الإنساني لسكان السويداء من مختلف مكوناتهم، في وقت بدأت فيه مبادرات مدنية وشعبية بالظهور لإغاثة المدنيين العالقين وسط نيران المعارك.
في خضم هذا الوضع المأساوي، تباينت الدعوات والتوجهات. ففي الوقت الذي انتشرت فيه دعوات تحريضية لمقاطعة السويداء اقتصادياً وفرض حصار “سوري” على إحدى مدن سوريا، برزت في المقابل نداءات وصفت بالتصعيدية لفتح معابر حيوية نحو المملكة الأردنية الهاشمية وإلى منطقة الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا. أصوات سورية مدنية دعت لتغليب صوت العقل والضمير، وإطلاق حملات إغاثية من المحافظات السورية، وطالبت بربط الدفاع المدني ومنظومة الإسعاف السورية بالمدينة المنكوبة لتقديم الدعم اللازم.

نزوح جماعي
أدى التصعيد العسكري إلى نزوح ما لا يقل عن 87,000 شخص داخل محافظة السويداء ونحو درعا حسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) . معظم النازحين فرّوا من منطقتي المزرعة والصورة الصغيرة باتجاه شهبا وصلخد، بينما لجأ نحو 18,000 شخص إلى مناطق إزرع، المسيفرة، والحراك في درعا.
وتقيم العائلات النازحة، سواء من المكون الدرزي أو البدوي، في المدارس، والكنائس، والأضرحة، والمباني العامة، أو في منازل الأقارب والأصدقاء. وقد اضطرت العديد من العائلات إلى الفرار سيرًا على الأقدام، في ظل غياب الممرات الآمنة ووسائل النقل، خاصة في ريف السويداء الغربي، حيث خلت بعض القرى تمامًا من سكانها.
أزمة صحية
تشير التقديرات الأولية إلى مقتل نحو600 شخص من الدروز والبدو، وسط تقارير عن تراكم الجثث في باحات المستوصفات والمشافي، فيما لا يزال العديد من الجرحى دون علاج. وصرح وزير الصحة مصعب العلي: 301 قتيلاً و1971 مصاباً خلال أحداث السويداء.
يعمل مستشفى السويداء الوطني بـ 15% فقط من طاقته التشغيلية، في حين أن 80% من الكادر الطبي غير متوفر. في الوقت نفسه، يُعد مستشفى صلخد هو المرفق الصحي الوحيد العامل حاليًا، ولكن في ظل ظروف شديدة الصعوبة، إذ يُمنع الوصول إليه بسبب نقاط التفتيش.
ويُشار إلى أن سيارات إسعاف الهلال الأحمر العربي السوري هي الجهة الوحيدة التي تدعم مديرية الصحة في المحافظة. وقد أرسلت منظمة الصحة العالمية مجموعات إسعافات أولية ومعدات جراحية إلى كل من السويداء ودرعا، إلا أن العديد من الشحنات لم تصل بعد إلى السويداء.

طرق مقطوعة
لا يزال الوصول الإنساني إلى السويداء شبه مستحيل بسبب انعدام الأمن على الطرق الواصلة بينها وبين دمشق ودرعا، وكذلك بسبب الاشتباكات داخل المحافظة.
وقد نصبت قوات الأمن العام حواجز على معظم الطرق الرئيسية، بما فيها طريقا دمشق–درعا ودمشق–السويداء، إضافة إلى الطرق المؤدية إلى مدن وبلدات المحافظة.
يتسبب هذا الإغلاق في عرقلة وصول سيارات الإسعاف إلى الجرحى، وتأخير عمليات الإجلاء، وتعطيل إيصال المساعدات الإنسانية بشكل كبير.
وأفادت جهات متعددة، من بينها الهلال الأحمر العربي السوري، والخوذ البيضاء، ومنظمة الصحة العالمية، ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، بأنها بانتظار الضوء الأخضر لدخول المحافظة.
وقال وزير الطوارئ وإدارة الكوارث السوري رائد الصالح إن الأوضاع الأمنية لا تسمح بدخول قوافل المساعدات وإن الوزارة جاهزة لإدخال المساعدات الطبية فور توفر الظروف المناسبة. وأوضح الصالح أنه تم تشكيل 21 مركز إيواء في درعا، مضيفا إن الوزارة في طور تجهيز 20 مركزا آخر.

شح المياه
توقفت محطة المياه الرئيسية في السويداء عن العمل بسبب نفاد الوقود، كما تعمل الآبار التي تغذي المجتمعات المضيفة للنازحين بطاقة منخفضة نتيجة انقطاع الكهرباء ونقص المحروقات. هذا النقص الحاد في المياه يزيد من خطر انتشار الأوبئة، خاصة في ظل ظروف الإيواء المتدهورة وارتفاع درجات الحرارة.
نداءات للإغاثة
تحتاج العائلات النازحة إلى الغذاء والماء والمأوى والمواد غير الغذائية والرعاية الصحية. وتعتمد معظم العائلات على دعم المجتمع المحلي، في حين توزع المنظمات غير الحكومية المحلية المخزونات المتوفرة من البطانيات، والفرش، وغيرها من المواد الأساسية.
وقد ظهرت عدة مبادرات أهلية لمساندة المتضررين من المعارك، من أبرزها: مبادرة أهل دمشق لإغاثة نازحي السويداء، فزعة الكرامة لضيوف محافظة درعا، جمعية الكسوة لإغاثة نازحي السويداء في دمشق.