وسيم كناكرية
لم أكن أتوقع أن العديد من المكفوفين وضعاف البصر سيهتمون بفكرة تنظيم وقفة بساحة الأمويين بتاريخ اليوم الأربعاء 25-12-2024. كيف لا ونحن الذين اعتدنا على أن يتم سوقنا لنحمل لافتات لا نعرف ماهيتها، ونردد هتافات يمليها علينا المسؤولون عن سوقنا.
لم أكن أتوقع أن العديد من المكفوفين وضعاف البصر سيهتمون بفكرة تنظيم وقفة بساحة الأمويين بتاريخ اليوم الأربعاء 25-12-2024. كيف لا ونحن الذين اعتدنا على أن يتم سوقنا لنحمل لافتات لا نعرف ماهيتها، ونردد هتافات يمليها علينا المسؤولون عن سوقنا.
تفاجأت بكم الأفكار وكم الحماس وكم التنظيم الذي تناقشنا فيه ضمن مجموعة على تطبيق الواتس اب. كان الكل محترمًا لرأي الآخر، باحثًا عن المصلحة العامة، والهم الأكبر هو أن نظهر بأفضل صورة، نقيض ما كان يحدث. فكنا لا ندري سوى أننا صعدنا بالباصات للنزول بوجهة لا نعرفها، نقف سامعين لإملاءات الغير علينا وكأننا ديكور بشري يصلح للزينة وللتصوير بجانبه بغية الظهور بصورة الإنسان الملاك، راعي الضعفاء، الأشخاص الذين بلا حول ولا قوة، من لا يستطيعون تدبير أمورهم لوحدهم. ولكن اليوم أستطيع أن أقول إن هذا القالب الذي فرض علينا تم كسره بأيدينا، دون مساعدة أي أحد، بإرادتنا. فاليوم نعرف لماذا نحن ذاهبون، خرجنا بأنفسنا دون ضغط أي أحد أو إملاءات أي أحد، فنحن ذاهبون فقط لأننا نرغب بذلك. اليوم لا باصات تأخذنا، فكل منا سيأتي لوحده. اليوم نعرف وجهتنا لأننا نحن من اختارها.
تذكرت موقفًا حدث لصديق لي في عام 2006 أثناء مسيرة كنا نشتم فيها أمريكا، ولكن لماذا؟ لا أدري. كان يحمل عصا سقط منها العلم دون أن يدري، كان يلوح بها بكل حماس وكأنه يحمل الوطن بيديه. تذكرت ضحك القائمين، وتذكرت توبيخ المشرف علينا له بعبارة “نزلو نزلو مافي علم سودت وشنا”. يومها لا أنا ولا الشخص الذي يرفع العلم ولا معظمنا كان يعرف لماذا نحن في تلك المسيرة، ولكن الجواب أتى، وأتى متأخرًا. فعندما بحثت عن الأمر تبين لي أن في ذاك العام كان النظام متهمًا باغتيال رفيق الحريري وكنا نحن في تلك الساحة ندين هذا الاتهام. ضحكت كثيرًا وتألمت على حالنا وقتها، فنحن كلنا مثل ذاك الشاب كنا لا ندري ماذا نحمل ولكن بلغنا أنه مهم، لماذا؟ أيضًا لا ندري.
سنكتب لافتة بطريقة بريل ونكتب معنى المكتوب بالخط العادي الذي يستطيع قراءته المبصرون، وسنكتب لافتة بالخط العادي وسيحملها شخص كفيف يعرف تمامًا ما كتب عليها لأنها كتبت بطلب منه، فهو جزء من المجتمع ولم يعد يسمح لأي حاجز أن يقف بينه وبين الآخرين. هذا ما قاله الأشخاص الذين اقترحوا أفكار اللافتات. أما بالنسبة للهتافات، فاقترحوا هتاف: “نحنا فئة المكفوفين، بالحرية مبسوطين، تعاهدنا ليوم الدين، سوريا لكل السوريين”.
في الحقيقة لا أستطيع إلا أن أشعر بالفخر، فبرغم بساطة هذا الحدث وأنه ليس سوى وقفة احتفالية، إلا أنه بالنسبة لي معجزة. فمن كان يتوقع أننا نحن الذين تربينا على تنفيذ الأوامر المقولبة الجاهزة التي تعزز صورتنا النمطية بلا وعي منا عما كان يحدث أو لماذا نقوم بهذه الأمور، نقوم ومن العدم بتنظيم أنفسنا والترتيب لفعالية تعبر عنا. وكم أتطلع للمستقبل الذي سيأتي ونبنيه نحن بإرادتنا وبآرائنا دون إملاءات الآخرين علينا، مستقبل نحدد فيه نحن وحدنا مطالبنا ونعي فيه بشكل كامل واجباتنا أولًا ثم حقوقنا، مستقبل لن نستخدم فيه كديكور لتلميع صورة أحد أو إظهارهم بصورة ملائكة الإنسانية.!