مياس سلمان
مضى على الزلزال شهر، ما زالت الصور تلاحقنا وتذكرنا أن الطريق طويل جداً، وأن جهود الإغاثة والعمل الإنساني لم تنته مع انتشال الناجين ودفن الضحايا.
طفلة في إدلب مهددة بقطع ساقيها، شاب في حلب تم بتر ذراعه، امرأة في اللاذقية احترق نصف وجهها… مئات من الناجين-الضحايا الذين نجو من الموت ليحملوا إصابات جسدية ونفسية وإعاقات دائمة ومؤقتة لينضموا إلى صفوف ذوي الإعاقة الذين نجوا- أصبحوا ضحايا- الصراع المستمر منذ 12 عاماً والذين يشكلون اليوم ربع الشعب السوري.
لا يسعني إلا التفكير في الانتهاكات والإساءات والتمييز الإضافي الذي سيواجهونه على أساس إعاقتهم، دون مساواة في الحصول على حقوقهم الأساسية وربما أيضاً، دون حصولهم حتى على مساواة في الوصول إلى المساعدات الإنسانية والإغاثية.
كذلك، كشف الزلزال من جديد أن الكوارث غير محايدة، ولا تضرب الجميع بنفس القسوة. النساء المعيلات، كبار السن، وذوي الإعاقة هم الأشخاص أكثر تأثراً نتيجة الزلزال الذي ضرب سورية حسب تقرير للأمم المتحدة. وفي حين أن قضايا وصول المساعدات الإنسانية إلى مختلف المناطق المتضررة من سورية تهيمن على الأخبار، يجب ألا يتم تجاهل الاحتياجات قصيرة وطويلة الأجل للأشخاص ذوي الإعاقة وآلاف الناجين الذين تعرضوا لإصابات جسدية ونفسية يمكن أن تؤدي إلى إصابات دائمة.
كمثال على المفاهيم الخاطئة في الكوارث أن الأشخاص ذوي الإعاقة هم ضحايا يحتاجون إلى مساعدة فقط؟
أكدت المبادئ التوجيهية للجنة الدائمة بين الوكالات بشأن إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة في العمل الإنساني على ضرورة تصميم وتنفيذ برامج الإغاثة بحيث تتضمن ذوي الإعاقة ليس فقط، كمتلقين، بل كمشاركين فاعلين. وأكدت اللجنة على أهمية القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي للاجئين حيث تشكل هذه القوانين إطاراً قانونياً يستند إليه في العمل الإغاثي وعمل اللجنة بحيث توفر هذه المبادئ التوجيهية إرشادات لكيفية إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة على نحو أفضل في العمل الإنساني.
فمثالاً على المفاهيم الخاطئة في الكوارث أن الأشخاص ذوي الإعاقة هم ضحايا يحتاجون إلى مساعدة كاملة؟
الصحيح حسب التوجيهات أن يحتاج الأشخاص من ذوي الإعاقة المساعدة تماماً مثل بقية السكان لكن لديهم قدرات وموارد وصوت، ويمكن للكثير منهم المساهمة في العمل الإنساني ولذلك يجب أن يكون في مراكز الإيواء واللجوء تيسيرات ترتيبية معقولة تمكنهم ولا تعيقهم أو تشكل عبئاً غير مناسب وغير ضروري، كأن يكون للأشخاص ذوي الإعاقة قدرة على الوصول إلى الحمامات المشتركة وغرف الطعام وكافة الخدمات الضرورية وإزالة العوائق التي تحول دون ذلك وتقترح اللجنة أن تراعي مراكز الطوارئ واللجوء احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة عند تصميم المراكز وقبل وقوع الكوارث.
تؤكد اللجنة أن الخطوة الأولى بعد حدوث الكارثة تكوين قاعدة بيانات تحدد عدد الأشخاص ذوي الإعاقة من بين السكان المتضررين وكذلك رصد عدد الأسر التي ترعى أشخاص ذوي إعاقة واحتياجاتهم وخاصة أن الكوارث قد تزيد عدد الإعاقات فامتلاك قاعدة بيانات تمثل الخطوة الأولى بالعمل الإغاثي لدعم الأشخاص ذوي الإعاقة وتؤكد اللجنة على أهمية التشبيك وإقامة شراكات مع منظمات الأشخاص ذوي الإعاقة بما يعزز التفاهم والمعرفة المتبادلة ويكفل استمرارية العمل وتقديم الدعم من قبل هذه المنظمات التي تساهم في حماية الأشخاص ذوي الإعاقة كما يجب أن يراعى في العمل تنوع الإعاقات والعمر والجنس عند رصد احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة عند الكوارث، ولذلك يجب أن تعمل المنظمات على حماية المتضررين من ذوي الإعاقة من الاستغلال والاعتداء الجنسي والعنف.
عند تقييم الاحتياجات يجب اشراك الأشخاص ذوي الإعاقة في التقييم لأنهم أدرى باحتياجاتهم ولذلك يمكن الاتصال بالأشخاص من ذوي الإعاقة وتوظيفهم وتدريبهم للمشاركة بالعمل الإغاثي من المتضررين وغير المتضررين من الكارثة وتؤكد التوجيهات على طريقة تقديم الاستجابة الإنسانية بخيارات متعددة كتقديم السلع العينية والمساعدات النقدية وقسائم الاعانة بالإضافة الى المساعدة الفنية وبناء القدرات وخدمات لوجستية للأشخاص ذوي الإعاقة والعمل على إزالة العقبات التي تحول دون ذلك.
كما تبين التوجيهات أدوار ومسؤولية مختلف أصحاب الإعاقة وتعتمد على نهج قائم على حقوق الإنسان ودور أصحاب المصلحة كالحكومة فتشجع الحكومة على تعيين جهة تنسيق للإعاقة ومواصلة الاشراف والرقابة لضمان أن كافة خطط الجاهزية والطوارئ تشمل الأشخاص ذوي الإعاقة وكذلك توجه إلى تعزيز دور الجهات القائمة على تصميم برامج الدعم في المنظمات الإنسانية والإنمائية بما يساهم في إذكاء الوعي وتنمية القدرات لدمج الأشخاص ذوي الإعاقة وكذلك حث الجهات المانحة على تقديم دعم للأشخاص ذوي الإعاقة والتنسيق مع منظمات الأشخاص ذوي الإعاقة العاملة على مناصرة حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة .
تؤدي الكوارث إلى انهيار الشبكات الاجتماعية وانعدام الأمن وتدمير البنية التحتية والنزوح وتعطل الخدمات مما يؤدي إلى تفاقم الأثار بسبب الحواجز التي تواجه الأشخاص ذوي الإعاقة وهنا تؤكد التوجيهات على تشجيع جميع المقاولين على تبني مبدأ التصميم الشامل عند تخطيط الأبنية وإشادتها وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من الوصول للمعلومات ووسائل الاتصال واذكاء الوعي في المجتمع بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وتنمية قدراتهم
في مجال التعليم يعمل التعليم في حالات الطوارئ على تقديم الدعم النفسي والاجتماعي ويجب التركيز على مسارين أنظمة التعليم الدامج وتشمل كافة الطلاب وترحب بهم وتدعمهم بغض النظر عن الخلفية او القدرات والتعليم التخصصي الذي يوفر التعليم للأشخاص ذوي الإعاقة ضمن بيئة تعليمية منفصلة تراعي حاجاتهم واختلاف قدراتهم وتؤدي الكوارث الى تفاقم أزمة التعليم نتيجة إغلاق المدارس وتدمير البنية التحتية والنزوح الذي يؤدي لتدني مستوى التعليم مما يتطلب تضافر جهود الجميع للحد من أثار الكارثة.
في مجال الأمن الغذائي والتغذية لكل إنسان الحق بالحصول على الغذاء الكافي ومن ضمنهم الأشخاص ذوي الإعاقة مما يتطلب تقديم مساعدات غذائية وعينية ودعمهم في سبل العيش وصولاً للاستقرار الغذائي ومنعهم من الوصول إلى مشاكل سوء التغذية حيث تؤدي الكوارث إلى تفاقم أزمة الغذاء على الأشخاص ذوي الإعاقة مما يتطلب تعزيز جهود الجميع ليحصل ذوو الإعاقة على الغذاء الكافي.
في مجال الصحة
إن الكوارث والنزاعات الإنسانية تلحق ضرر بالنظم الصحية وصحة الأشخاص بشكل عام وتؤكد التوجيهات على حق الأشخاص ذوي الإعاقة بالوصول إلى مختلف الخدمات الصحية كالطبابة والدواء في حالة الكوارث ويجب تثقيف العاملين بالمجال الصحي ليعلموا احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة ويجب تحديد مراكز لمعالجة الصدمات وتأمين الأجهزة المساعدة والأطراف الصناعية وتقويم العظام والدعم النفسي والاجتماعي وإعادة التأهيل والمعالجة الفيزيائية عن طريق برامج قصيرة وطويلة الأمد وتكون المراكز الصحية مؤهلة لوصول ذوي الإعاقة إليها وكذلك حماية الأشخاص ذوي الإعاقة وعدم تهميش حقهم بالوصول للخدمات الطبية وكذلك تؤكد التوجيهات على أهمية تأمين مياه نظيفة وصرف صحي والنظافة الشخصية للأشخاص ذوي الإعاقة ومراعاة احتياجاتهم المختلفة في كافة المجالات.
في النهاية يمكن القول إن بلداً كسورية عانى عشر سنوات من الحرب والأزمات الاقتصادية ليأتي الزلزال ليكون له نتائج كارثية على الأشخاص ذوي الإعاقة الذين أصبحوا يعيشون معاناة كارثية ويعيشون ظروفاً صعبة يحتاجون إلى دعم كبير وتضافر جهود علهم يحصلون على أدنى مقومات الحياة الأساسية فأغلبهم تحت خط الفقر ويحتاج كل الدعم من المنظمات ليبقى على قيد الحياة في ظل تهميش واضح وعدم مراعاة لاحتياجاتهم وحقوقهم.