الإرادة

المراسل التلفزيوني الذي ينقل ما لا يرى

اسمي ناصر بلوّط، في الثلاثين من العمر، خلقت كفيفاً وكنت الشخص الأول الذي في لبنان الذي يعيش تجربة دمج في المدرسة عندما في الثالثة من العمر، كان ذوي الإعاقة البصريّة يتم وضعهم عادةً في مؤسسات خاصة للمكفوفين، يُتركون هناك دون متابعة، حتّى أتت تجربة الدمج وسعت لتنفيذها جمعية الشبيبة للمكفوفين، التي ركّزت على فكرة أن الكفيف يجب أن يكون في بيئة دامجة بما يتضمنه ذلك من مدرسة وسوق عمل وأي مكان آخر فتلك كانت تجربتي.  لاحقاً تعلمت ودخلت إلى كلية الإعلام، وفي السنة الثالثة من دراستي الجامعية، كنت المراسل الأول الذي لا يرى والذي يعمل مراسلاً مباشراً على الهواء. بدأت عملي في قناة (الجديد) في 2013، كانت تجربة جميلة واستمرت حتى 2021 ولا أعلم إن كان من الممكن أن أعود للظهور على الهواء ولا أعلم ماذا سأفعل الآن.

جربت قدر المستطاع ألا أحصر نفسي بنمطٍ معين خلال التقارير الّتي عملت عليها، بالتأكيد كنت أعد مواداً عن الإعاقة لكنني حرصت أيضاً أن أتحدث عن مواضيع منوعة. اشتغلت تقارير حول قضايا عسكرية وسياسية، كما أنني ذهبت مرة إلى الميدان العسكري أثناء معركة الجرود مع جبهة النصرة، أيضاً قمت بإعداد مواد اجتماعية واقتصادية. جرّبت ألا أحصر نفسي بمحتوى واحد ضيق كما رفضت تعريف عملي من خلال وضعي الفيزيائي، وأن أضع حدود الإعاقة كحدود للمواضيع التي تهمني. فإن كنت  شخصاً غير مبصر، لكن هناك كثير من القصص الإخبارية التي أستطيع الحديث حولها والتي أستطيع نقلها للناس كأي صحفي احترافي. انطلقت من الإيمان بنفسي والإيمان بمهنتي، هذا ما حدث وصار لدي جمهور يحبني ويثق بعملي.

أنا عموماً سعيد بكل المواد التي أعددتها لكن القصص الإخبارية الخاصة بالصراع مع إسرائيل، لها مكان خاص في ذاكرتي، فأنا أفتخر بهذه التقارير التي صورتها على الحدود أو بالقرب من المستوطنات. كل ما قمت به من تغطية يفضح عدوانهم على المدنيين، كما كنت أيضا أتابع الصحافة العبرية بشكلٍ كبير ودائماً أما كان ذلك يمنح تقاريري أهمية وخصوصية.

في أحد المرات أجريت تقريراً من ضيعة اسمها بليدة سلّطت الضوء فيه على أراضي منتزعة من لبنان أخذتها اسرائيل وهذا الأمر أحدث ضجّة في البلد. كنت وما زلت فخوراً بكل ما يتعلق بهذا الموضوع لأن السياسة اللبنانية سخيفة وهي بمثابة تضييع للوقت أما هذا النوع من القصص الصحفية مختلف تماما عن أغلب مايظهر في الإعلام المحلّي، هذه الأعمال الّتي قدّمتها تعني لي الكثير، وأتمنى مستقبلاً أن أكمل العمل على هذا النوع من القصص.

لم يكن هناك أي مشكلة أثناء عملي في غرفة الأخبار، لأنني في النهاية كنت أقوم بنفس العمل الذي يقومون هم به، الاختلاف قد يقتصر مثلاً على عملية اختيار الصور التي يتم إرفاقها ضمن التقرير وهنا عادة ما أطلب من المونتير أن يشاهد الصور ويختار منها، وقد يكون هناك اختلاف في قصة التنقلات أحياناً في الأماكن الصعبة وفيها يقوم المصور بمساعدتي قليلاً لكن عدا عن ذلك لا وجود لأي مشكلة أو أي فرق.

الآن أعمل على فكرة برنامج ستاند أب كوميدي اسمها “مش شايف حدا”. هذه الستاند أب تحكي يوميات شخص لا يبصر في لبنان من منظاري أنا. عندما تسمعين العنوان قد تظنين بأن هذا الشخص مغرور ومش شايف حدا لكن عندما تقتربين ستفهمين أن هذا الشخص فعلاً لا يرى. هذا الستاند أب بالنسبة لي يوصّل الكثير من الرسائل بطريقة مضحكة جداً أحسن من 100 مؤتمر وتقرير مع موسيقى حزينة. هذه فكرة جديدة لم يسبق أن عملها أحد. أو أن أتحدث مثلاً عن أحلام الكفيف وأنا قدمت ذلك بطريقة كوميدية جميلة، أو كيف الكفيف يتعرف على بنت وما المواقف المضحكة التي قد تحصل معي وأنا أتعرّف عليها إلى جانب الإضاءة على يومياتي في المدرسة والشغل. المهم أن تكون الطريقة تشد المستمع والمشاهد بعيداً عن الرتابة المعهودة. 

تمت مقابلة ناصر بلوط في سياق الإعداد للدليل الإرشادي الخاص بذوي الإعاقة

أجرت المقابلة نور أبي فرج                                     

حررت المقابلة: شيماء شريف