إعداد: ماريا قيومجيان
آباؤنا وأجدادنا، أمهاتنا وجداتنا، أنهكتهم سنوات الحرب وأثقلتهم أعباؤها، دفعوا ثمنها من أعمارهم وصحتهم وغربة أبنائهم. واليوم، يقفون في طوابير الخبز والغاز والصرافات، منتظرين راتباُ تقاعدياً بالكاد يكفيهم لأسبوع واحد، في محاولة يائسة للتكيف مع ظروف لا تتناسب مع أعمارهم وأوضاعهم الصحية.

عذراً الصراف خارج الخدمة!
“ذهبت أكثر من مرة لسحب راتبي، وفي كل مرة يقولون لي: الصراف خارج الخدمة، رغم أن الموظفين داخل المصرف يعملون بشكل طبيعي!”، بهذه الكلمات يعبر هيثم خضر عن معاناته.
أما علي محمد، الرجل المسن الذي يعاني من بتر في ساقه، فقد قصد المصرف للمرة السابعة في محاولة للحصول على راتبه البالغ 200 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ زهيد لا يكفيه لمتطلبات الحياة. يقف متعبًا، يائسًا، يتساءل: “إلى متى سنظل نعاني؟”.
يحتج أبو محمد بصوت غاضب:
“هل يقبل أي مسؤول أن يقف والده أو جده في هذا الطابور؟!”.
من جهتها، تضحك لينا أبو عسلي، الأرملة التي جاءت منذ الصباح الباكر لتقبض خمسين ألف ليرة فقط – المتبقي من راتب زوجها المتوفى – بعد أن أنفقت عشرين ألف ليرة على المواصلات من المليحة إلى دمشق! تقول بسخرية:
“وعدت أولادي أن أشتري لهم أكلة طيبة .. لكن ماذا يمكنني أن أشتري؟!”.
يضيف محمد الحموي إن تكلفة علاجه الشهرية تبلغ 125 ألف ليرة سورية، بينما لا تزال ابتسام البدوي تحاول استعادة راتب زوجها الموقوف منذ شهرين، في ظل غياب أي حلول من الجهات المسؤولة.
أما ياسر كراكلي، فيحاول التمسك بالتفاؤل رغم المعاناة، قائلاً بابتسامة مريرة:
“تحملنا 13 سنة، سنتحمل شهراً أو شهرين.. ربما ثلاثة.. لكن بعد ذلك؟ نريد أن نتساعد كي نبني البلد!”.

خبز حاف بطعم الانتظار
في باب توما، يقف العشرات منذ ساعات الصباح الباكر، أملاً في الحصول على رغيف خبز ساخن. يرمق عماد درويش الطابور الطويل ويقول متحسرًا:
“ربما سأنتظر أكثر من ساعتين فقط لأحصل على ربطة خبز!”.
أما محمد العمر، فيتحدث بمرارة عن ارتفاع سعر ربطة الخبز إلى 4 ألاف ليرة سورية، مضيفاً بحزن:
“نعيش برحمة الله!”.
وفي طابور النساء، تتساءل أم محمد باندهاش:
إلى متى؟
يستغرب أبو محمد من الارتفاع الجنوني في الأسعار، متسائلاً:
“أسطوانة الغاز كانت بـ20 ألفًا، واليوم بـ225 ألفًا.. كل شيء ارتفع، ما الذي انخفض سعره؟!”.
يروي موزع الغاز كيف أصبح البعض يلجأ للاستدانة لتأمين سعر الأسطوانة، بينما يشير محمد الحموي إلى أن 90% من الشعب باتوا فقراء، والدليل المشهد الذي حصل في وليمة الغداء أمام الجامع الأموي.
أما العم جوزيف حلال، فيختتم الحديث بكلمات مؤلمة:
“لا نريد سوى الرحمة…”.
بالرغم من هذه المعاناة الطويلة، لا يزال الراتب التقاعدي على حاله، دون أي تطمينات من الحكومة بشأن تحسين أوضاع المتقاعدين، أسوةً بالوعود التي قُدمت للموظفين في سوريا. هل سيبقى كبار السن ينتظرون؟ أم أن العدالة ستجد طريقها إليهم يوماً ما؟!