الإرادة

العيد في عيونهم… “ذوو الاحتياجات الخاصة”… فاقد الفرح يعطيه..

مادلين جليس
“مازالت فرحةُ العيد كما عرفتها أولَ مرةٍ في طفولتي، وكما كان والدي يصنعُ لنا فرحاً في هذا اليوم، أحاولُ أنا أن أصنعه لأولادي.
لا أستطيع الجري وراءهم كما كان يفعل، ولا لعب الاستغماية أيضاً، لكنّني أحاول بكل طاقتي ألا يمرّ هذا اليوم كغيره بالنسبة لهم”.
بهذه الكلمات يصف علي محمد أيّام العيد بالنسبة له، يفسّر ذلك أنه لا يستطيع حرمان أي أحد من فرحة العيد، وإصراره أن يعيش أطفاله على الأقل طفولة حقيقية كما عاشها بين والديه.
علي وغيره كثرٌ من المصابين وذوي الاحتياجات الخاصة ممن مرّ العيد من عندهم كغيره من باقي الأيام، إلا أن الاستمرار في الحياة، والرغبة في رسم أيام ولحظات سعيدة لأطفالهم، كانت أكبر من كل شيء، ودفعتهم للعودة لبهجة العيد التي نسوها بسبب إصاباتهم أو إعاقتهم.

أحب العيد، أجلس عند النافذة، أشاهد الأطفال يرتدون ثياباً جديدة، يلعبون ويمرحون، وأتمنى أن أعيش هذه اللحظات مثلهم”.

تتوقّف يداها عن الحركة لحظة، ثم تعود وتعطي إشارات لوالدتها ” أمي وأبي إخوتي يرافقونني أيام العيد للتنزّه، لكنني أرغب باللعب مع الأطفال، بالحديث معهم والضحك مثلهم، أرغب أن أكون مثلهم ولو ليوم واحد فقط”.

فرح.. خلف النّوافذ
تبتسم فيوليت زينة ابنة الاثني عشر عاماً بينما تحاول والدتها أن تشرح لها سؤالي، تبدو الحيرة في عينيها، وكأنّ العيد لم يعرف طريقه إليها يوماً.
بضعُ إشارات بيديها، تتحرّك حجرتا عينيها وكأنهما تبحثان عن تعبيرٍ مناسب، تنظر للجدران من حولها، ثم تشير لوالدتها قليلاً.
تنظر لأمها وهي تربّت على كتفها برفق، ترجع نظرها لي، منتظرة ردة فعلي عند سماع تفسير إشارتها.
” العيد عندي كباقي الأيام” تتحدّث الأم بصوتها مفسرة إشارات ابنتها التي فقدت النطق منذ سنوات طويلة، “أنا هنا في هذا المنزل وهذه الغرفة، أخرج بين الفينة والأخرى، لكنّني أعرف العيد من الحلويات التي تصنعها أمي، والتي أتذوق فيها طعم فرحٍ لامثيل له”.
“هل تختصرُ بضعُ قطعٍ من الحلويات طعم العيد وحلاوته”؟، كنت أتساءل في نفسي بينما تقوم فيوليت بإعداد القهوة لنا بعد إصرارها على صنعها بيديها كما علّمتها والدتها، تضع الحلويات إلى جانب القهوة بترتيب وأناقة، وتجلس مرة أخرى بجانب أمها.
إشارات أخرى، تطلب من والدتها أن تشرحها لي، “أحب العيد، أجلس عند النافذة، أشاهد الأطفال يرتدون ثياباً جديدة، يلعبون ويمرحون، وأتمنى أن أعيش هذه اللحظات مثلهم”.
تتوقّف يديها عن الحركة لحظة، ثم تعود وتعطي إشارات لوالدتها ” أمي وأبي إخوتي يرافقونني في بعض أيام العيد للتنزّه، لكنني أرغب باللعب مع الأطفال، بالحديث معهم والضحك مثلهم، أرغب أن أكون مثلهم ولو ليوم واحد فقط”.
مع كل الحزن الذي رسمته هذه الأحرف، إلا أن فيوليت أصرّت ألا تفارق الابتسامة وجهها الطفولي البريء، وأصرّت أيضاً أن تودّعني بابتسامةٍ لطيفة كما استقبلتني.

عندما كنت صغيراً كنت أعود للمنزل مساء بجروح في ركبتي، من كثرة الركض والوقوع على الأرض، واللعب بمختلف الألعاب مع أصدقائي، الآن لا قدرة لي على المشي، لكنّي أركض بخيالاتي إلى كل الدروب، أتسلّق الأشجار وأمر على منازل كل الأصحاب، وأتمنّى لهم عيداً سعيداً”.

 

كل الأيّام سواء

“ليس كباقي الأيام لكنه ليس بالزهو والفرح الذي كان في السابق”.
بينما توضّب أخته بعض الحاجيات الصغيرة، يحاول عاطف محفوض ترتيب ملابسه قبل رحلة الانطلاق للقرية.
كل عيد يمارسان ذات الطقوس، الاستيقاظ في الصباح الباكر، شرب القهوة سوياً قبل الانطلاق باتجاه منزل والديهما في ريف طرطوس لمشاركتهم أول أيام العيد.
عاطف اليوم لايقيم في القرية إلى جانب والديه، فعلاجه اضطره للبقاء في المدينة قريباً من المستشفى، وبقيت معه أخته الصغرى، تعاونه في أيامه، وتؤنس وحشة لياليه.
يبتسم قليلاً ويغمض عينيه قبل أن يقول: ” عندما كنت صغيراً كنت أعود للمنزل مساء بجروح في ركبتي، من كثرة الركض والوقوع على الأرض، واللعب بمختلف الألعاب مع أصدقائي، الآن لا قدرة لي على المشي، لكنّي أركض بخيالاتي إلى كل الدروب، أتسلّق الأشجار وأمر على منازل كل الأصحاب، وأتمنّى لهم عيداً سعيداً”.
يبرّر عاطف أن الإصابة ليست فقط السبب في كون أيام العيد عادية، فهي أصبحت كذلك لدى عدد غير قليل من الأصحاء، بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية الضاغطة على الجميع.

أطفالنا العيد
يلاعب مرهف منصور طفله الصغير، يخبره أن العيد له ولغيره من الأطفال، يصرّ أن يجعله بالنسبة له يوماً مميزاً، مليئا بالفرح والسعادة، بالنزهات والمشاوير واللعب المتواصل.
“في السنوات السابقة وخلال فترة علاجي لم يكن للعيد معنى، على الرّغم من اجتماع أهلي حولي، إلا أن مفهوم العيد تغير كليّاً عندما رزقني الله بطفلي، وعندما رأيته يكبر أمام عيني، حينها تغيرت نظرتي لكل شيء”.
يكرر مرهف أنه يحاول بكل ما بوسعه أن يشعر طفله بالسعادة، وأن يعيش طفولة مليئة بالذكريات الجميلة التي سيرويها لأطفاله في المستقبل”.
يروي لنا كيف قضى أول أيام عيد الفطر برفقة طفله وعائلته: ” في اليوم الأول للعيد، اصطحبت طفلي لمنزل جده، كنت أراقبه وهو ينتقل بين جده وجدته وأعمامه، وأذكر طفولتي في هذا المنزل، ركضي ولعبي ولهوي، وصباحات العيد.