مياس سلمان
تستمع أم سمير لحديث جاراتها عن عودة التلاميذ إلى المدارس بصمت. بعضهن يتحدثن عن سعر الدفتر الذي وصل لستة عشر ألف ليرة، وأخرى تتحدث عن أمنياتها بتغيير معلمة العلوم التي لا تحبها ابنتها، وأخرى تعبر عن سعادتها بعودة أبنائها أخيراً إلى المدرسة كي تحظى ببعض الهدوء. الحديث لا ينتهي، معبأ بالكثير من الشكوى والهموم والمشاكل، ولكن بالكثير من الآمال. لا تملك أم سمير أياً من هذا، فابنها الذي من المفترض أن يكون مع بقية الأطفال الذين عادوا إلى المدارس في سورية الأسبوع الماضي، ما زال يبحث عن مدرسة تستقبله. يعاني سمير من إعاقة بصرية جزئية، ولا يوجد في رنكوس، في ريف دمشق، حيث يعيش مدرسة دامجة.

تجربة لم تكتمل:
في الأسبوع الماضي، توجه أكثر من ثلاثة ملايين ونصف طالب في مختلف المراحل التعليمية إلى حوالي 13 ألف مدرسة، حسب المكتب المركزي للإحصاء. وفيما تقدر نسبة الأطفال ذوي الإعاقة بحوالي 10-15%، يتوقع أن تكون النسبة الأكبر منهم خارج المقاعد الدراسية حيث لا تستوعب المدارس الدامجة أكثر من 3 آلاف طالب في مناطق سيطرة الدولة السورية، ما يعني أن القسم الأكبر لا يحصل على حقه أو فرصته في التعليم.
المدارس الدامجة في سورية تجربة عمرها أكثر من عشرين عاماً. بدأت عام 1998 بتدريب مجموعة من المعلمين بدعم من اليونسكو. في عام 2003، بدأ مشروع وزارة التربية الخاص بالدمج التعليمي للتلاميذ ذوي الإعاقة “بهدف إتاحة الفرص لجميع الأطفال ذوي الإعاقة للتعليم المتكافئ، والمتساوي مع غيرهم من الأطفال. كما هدف في الوقت نفسه إلى تعريف الأطفال بزملائهم من ذوي الإعاقة، وتقدير مشاكلهم ومساعدتهم على مواجهة متطلبات الحياة، وتعديل اتجاهات أفراد المجتمع من مديرين ومدرسين وأولياء أمور”.
اليوم هناك 212 مدرسة و27 روضة دامجة تضم /3059/ طفل من ذوي الإعاقة حسب إحصائيات وزارة التربية عام 2022. وفي الوقت الذي تتفاوت نسب نجاح هذه المدارس بين مكان وآخر، فإن التجربة بقيت تجربة ولم يتم تعميمها، فاليوم لا تتجاوز نسبة المدارس الدامجة أكثر من 2% من مجموع المدارس وما زال كثير من الأطفال خاصة في المناطق الريفية، والبعيدة عن مؤسسات ومراكز التربية الخاصة، خارج مقاعد الدراسة.
وقد نص الدستور السوري أن التعليم في سورية مجاني وإلزامي لجميع الأطفال في مرحلة التعليم الأساسي التي تمتد من عمر الـ/6/ سنوات لعمر الــ/15/سنة. والجدير بالذكر أن تجربة الدمج ما زالت في المرحلة الابتدائية بشكل أساسي ولم تنتقل بعد إلى الحلقة الثانية (من الصف السابع حتى التاسع)، حيث صدر في الشهر السادس من العام الماضي بلاغ وزاري يتضمن افتتاح مدارس دامجة حلقة ثانية بمعدل مدرسة واحدة في كل محافظة.
اليوم هناك 212 مدرسة و27 روضة دامجة تضم /3059/ طفلاً من ذوي الإعاقة حسب إحصائيات وزارة التربية عام 2022.

حسب دراسة أجرتها كلية التربية بجامعة دمشق العام الماضي فإن 22 بالمئة فقط من الصفوف الدامجة تحقق معايير الدمج
التربية الخاصة: التجارب الخاصة
لم تخف أم آدم فرحتها وفخرها من تفوق ابنها في الصف السادس في أحد المدارس الدامجة رغم أنه يعاني من إعاقة حركية في الأطراف السفلية، فهو على كرسي متحرك نتيجة أذية خلقية في النخاع الشوكي، ورغم الصعوبات التي تعانيها بنقل ابنها إلى المدرسة غير المجهزة عن طريق حمله هي أو أحد أقاربه لصعود درج المدرسة، ولكنها تقول إن تفوقه ومحبة أساتذته وأصدقائه معه تنسيها التعب. عندما سألتها عن سبب تفوقه برأيها، قالت إنها معلمة الابتدائي التي رافقته لثلاث سنوات غيرت مجرى حياته.
تتفاوت نسب نجاح تجارب الدمج بشكل كبير بين مدرسة وأخرى. يرى موجه سابق في وزارة التربية (لم يرغب أن يكشف عن اسمه) أن السبب الرئيسي يعود للمدرسين ودرجة تأهيلهم وشخصيتهم. ويضيف هناك 276 معلمة مصادر في جميع المحافظات وهو عدد قليل جداً علماً أن جميع المدرسين والمدرسات الجدد تلقوا تعليماً جامعياً في كلية التربية-معلم الصف، وكثير منهم درس في فرع التربية الخاصة كيفية التعامل مع الإعاقات وطرق دمجهم في الصفوف الدراسية، ويضيف “موضوع الدمج معقد جداً ولا يتعلق فقط بتوفير المدارس والصفوف. من عمل في صف دامج يعرف هذه الطبقات من الرفض التي تبدأ من عدم موافقة المدارس بسهولة على قبول الطلاب ذوي الإعاقة، ونظرة أهالي الطلاب والطلاب أنفسهم لهذه الشريحة، ثم هناك قدرة الصفوف على الاستيعاب، وحجم المساعدة المقدم للمدرّسة المسؤولة، وعدم انتشار ثقافة معلمة الظل، ومدى توفير قواعد صحيحة ووسائل مساعدة في الدمج” ويضيف “التجارب الناجحة هي حالات استثنائية دعمت نجاحها معلماتُ صف إنسانيات واستثنائيات تحملن فوق طاقتهن من أجل الفكرة الإنسانية مع دعم لا محدود من أهل الحالة الخاصة، والله أعلم بما انطوى عليه هذا النجاح الفردي الاستثنائي من عذابات”.
وكانت خطة الدمج التي وضعت قبل عشرين عاماً تتضمن أن يتم وضع خطة من قبل مدرس غرفة المصادر لكل طفل من ذوي الإعاقة حسب حالته والصعوبات التي يعاني منها ليخضع لبرنامج خاص في ساعات معينة ضمن غرفة المصادر لمساعدته ودعمه. لكن هذه الغرف ليست موجودة في كل المدارس وأحياناً تكون موجودة لكن لا يتم استخدامها. وغرفة المصادر هي قاعة صفية مجهزة بوسائل خاصة بمناهج وزارة التربية تناسب جميع الحالات والإعاقات، حسب وصف نجود عسكور وهي مدرسّة غرف مصادر في مدرسة ذات النطاقين الدامجة في طرطوس التي تحدثت لإرادة عن الصعوبات التي يتعرض لها مدرس غرفة المصادر، فقالت “الصعوبات تتعلق بعدم تقبل الأهل في بعض الحالات لوضع طفلهم أو تحميل الطفل أعباء أكثر من طاقته فعمل مدرس غرفة المصادر لا يقتصر على الطفل من ذوي الإعاقة بل مع أهله أيضاً وأحياناً أهالي الأطفال الآخرين ممن لا يعانون من إعاقة لكن لا يتقبلون وجود طفل من ذوي الإعاقة إلى جانب ابنهم في الصف، وتضيف “ذا الأمر نسبي وليس واحد عند الجميع فالناس مختلفين من حيث طريقة التفكير والبيئة والثقافة فالبعض متقبل للأمر ومتفهم ومتعاون، وهناك حالات قليلة من الأسر ترفض الأمر وتحاول نقل أبنائها خارج القاعات الدامجة التي تحوي أطفال من ذوي الإعاقة”.
وألقت دراسة أجرتها كلية التربية بجامعة دمشق العام الماضي الضوء على تجربة المدارس الدامجة في عدد من المحافظات حيث أظهرت أن 22 بالمئة فقط من الصفوف الدامجة تحقق معايير الدمج، فيما كان 14 بالمئة من معلمي الصفوف الدامجة التي تمت دراستها يجهلون نوع إعاقة التلاميذ، فيما وصلت نسبة تفاعل التلاميذ إلى 68 بالمئة.
مرفوضين دون بديل
لم يقبل قيس الذي يعاني من التوحد وصعوبة النطق في المدارس الدامجة، فأثناء عرضه أمام لجنة الدمج لإجراء اختبار القبول، تمّ تصنيف إعاقته بالشديدة، وبالتالي لم يتم قبوله كي لا يؤثر عليه سلبياً ولا يؤثر على بقية زملائه في الصف. لكن عائلة قيس تتساءل ما هو البديل عند الرفض. وتضيف “قالوا لنا أن الأفضل تحويله للجمعيات التي تهتم بأصحاب الإعاقات العقلية الشديدة، لكن أين هي هذه الجمعيات التي تقدم هذا التعليم الخاص؟ ومن سيقوم بتأمين بديل للعملية التعليمية؟”.
منسقة الدمج في مديرية التربية في طرطوس السيدة شذى عروس تحدثت لإرادة عن عملية القبول في المدارس الدامجة فقالت “يتم تشكيل لجنة محلية مؤلفة من منسق الدمج وطبيب الصحة المدرسية وموجه تربوي ومرشد نفسي تجتمع في الفترة السابقة لفتح المدارس، حيث يعرض على اللجنة الأطفال من ذوي الإعاقة الذين من المفترض أن يدخلوا صف الأول” وأشارت إلى أن الأطفال أصحاب الاعاقات العقلية الشديدة والصم لا يتم قبولهم بالمدارس الدامجة لأن استفادتهم تكون شبه معدومة، موضحة أنه يتم قبول الإعاقات الحركية والسمعية والبصرية المتوسطة والخفيفة والأطفال من الإعاقات العقلية البسيطة بعد إجراء اختبارات لغوية وإدراكية لهم لمعرفة قدرتهم على التعلم أما أصحاب الإعاقات الذهنية الشديدة فيتم تحويلهم إلى مديرية الشؤون الاجتماعية ليتم توزيعهم على المراكز والجمعيات المتخصصة في هذا المجال.

الحرب. نقطة من أول السطر
بعد حرب امتدت لمدة ثلاثة عشر عاماً أنهكت مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في سورية، ويمكن القول أن التعليم تأثر بشكل كبير جداً فقبل الحرب كانت نسبة الأطفال الموجودين في المدارس حوالي /93/ بالمئة عام /2008/ ولكن في عام 2015 يقدر وجود مليون طفل خارج المدارس وعدد المداس المدمرة بشكل كلي أو جزئي يقارب خمس ألاف مدرسة حسب تقرير منظمة اليونسيف لعام 2019.
وأشارت لجنة الإنقاذ الدولية عام 2018 إلى أن 84% من الأطفال من ذوي الإعاقة لا يذهبون للمدارس وأن أربعة من كل خمسة أطفال من ذوي الإعاقة لا يتلقون الرعاية التعلمية القادرة على تغيير حياتهم مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر في المستقبل لهم مقارنة مع أقرانهم الذين لا يعانون من أي إعاقة.
في النهاية يمكن القول إن واقع الدمج للأطفال ذوي الإعاقة في التعليم ما يزال ضعيفاً جداً وغير ملبٍ للطموح والعدد بسبب الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد وتحتاج عملية الدمج إلى دعم أكبر وخاصة أن أغلب المدارس قديمة وغير مجهزة بكود هندسي ملائم لمختلف أنواع الإعاقة كما أن المدرسين يحتاجون لخبرات ودورات ومهارات أكبر للتعامل مع الإعاقات المختلفة كما يجب تخصيص رواتب وحوافز إضافية للمدرسين الذين يدرسون أطفالاً من ذوي الإعاقة لأن جهدهم أكبر، كما أن غرف المصادر غير مفعلة في المدارس الدامجة وتحتاج لتطوير أساليبها ومناهجها وأدواتها.