الإرادة

الأغباني. خيوط الأمل لإنقاذ تراث يلفه النسيان

إعداد: ماريا قيومجيان

الخط

ملخص المحتوى:

تسلّط المقالة الضوء على معرض "خيوط الأمل – أغباني" الذي أقيم في مركز ممتاز البحرة بدمشق بمشاركة نساء من مدينة دوما، ضمن مبادرة تهدف إلى تمكين المرأة اقتصاديًا والحفاظ على حرفة الأغباني التراثية من الاندثار. تشرح منى إراقيلي، صاحبة المشروع، أن الأغباني حرفة عريقة تعود لمئات السنين، واشتهرت بها دمشق ودوما تحديدًا، حيث تتوارثها النساء جيلًا بعد جيل داخل البيوت. وقد حاولت بعض المناطق الأخرى تبنيها دون نجاح، ما يعكس خصوصية ارتباطها بمدينة دوما. تتناول المقالة أيضًا التحديات التي واجهت المشروع خلال الحرب، وخاصة أثناء حصار دوما، حيث تم تهريب الخيوط للنساء المحاصرات للحفاظ على استمرار العمل. كما جرى تدريب أكثر من 35 سيدة على الحرفة، وتوفير ماكينات في أماكن النزوح. وتختتم المقالة بالحديث عن الصعوبات المستمرة، مثل انقطاع الكهرباء وتدخل بعض الجهات الرسمية، مع تأكيد إصرار القائمات على المشروع لإحيائه من جديد بعد التغيرات السياسية، حفاظًا على إرث ثقافي وإنساني يمثل جزءًا من هوية المجتمع السوري.

في قلب دمشق، وتحديداً في مركز ممتاز البحرة، افتُتح معرض “خيوط الأمل – أغباني” بمشاركة نساء من مدينة دوما، ضمن مبادرة تهدف إلى تمكين المرأة اقتصادياً وإحياء حرفة تراثية باتت مهددة بالاندثار.

صورة لقماش الأغباني من معرض خيوط الأمل

السيدة منى إراقيلي، صاحبة مشروع “خيوط الأمل”، تسرد الحكاية بشغف:

“لا تاريخ دقيق يُؤرخ لبداية حرفة الأغباني، لكنها حرفة ضاربة في القدم، عمرها مئات السنين، نشأت في دمشق وريفها، وبقيت حكرًا على هذه الرقعة الجغرافية من سوريا.”

تقوم هذه الحرفة على تعاون فريد بين النساء والرجال:
الرجال – التجار الدمشقيون – يجهزون الأقمشة ويقصّونها، ثم تُرسل إلى الحرفيين لطباعة نقوش مستوحاة من بيئة دمشق مثل: “العريشة”، “دعسة الجمل”، “اللوزة”، و”الوردة الشامية”، وصولاً إلى تصاميم مستوحاة من جماليات البيت الدمشقي. أما النساء، وخصوصاً في دوما، فهنّ من يطرزن هذه النقوش بخيوط الذهب والفضة.

تقول منى:

“الأغباني لا يعرف إلا في دوما. في كل بيت تجد ماكينة أغباني، الأم تُعلّم ابنتها، والأخريات يتعلمن من الجدة، وهكذا تورث الحرفة كأنها سرّ عائلي. حتى محاولات نقلها إلى حلب لم تنجح. يبدو أن سرّ الأغباني يسكن في وجدان نساء دوما.”

من تحت الحصار… ولدت خيوط الأمل

عام 2013، ومع انقطاع الاتصال بين دوما المحاصرة وتجّار دمشق، توقفت عجلة الأغباني، وهدّد القصف ماكينات الحياكة في بيوت النساء. حينها، اقترحت إحدى صديقات منى من داخل دوما أن يُعاد إحياء هذه الحرفة رغم كل الظروف.

“بدأنا بشراء الخيوط، خيوط الأمل، وبدأنا بدورات تدريب لـ35 سيدة. ثم جاء الحصار، وانتقلت بعض النسوة إلى معربا ودمر البلد، فاشترينا لهن ماكينات. أما من بقين داخل دوما، فكنا نهرّب إليهن الخيوط رغم الخطر… شعرنا حينها أننا لا نحافظ فقط على مصدر رزق، بل على إرث سوري عميق.”

تحديات لا تنتهي… واستمرار رغم كل شيء

تعرّض المشروع لعقبات كثيرة، بدءاً من انقطاع الكهرباء الدائم، ما دفع الفريق لتركيب ألواح طاقة شمسية لتشغيل ثلاث ماكينات، إلى التدخلات من جهات رسمية سعت للسيطرة على الحرفة باعتبارها من التراث اللامادي، وفرض أسعارها، مما اضطر منى وفريقها لتقليص العمل ضمن دائرة محدودة من الأصدقاء والزبائن القدامى.

“ورغم كل شيء، لا زلنا نحاول اليوم، بعد التغيرات الأخيرة، أن نُعيد الحياة إلى مشروع ‘خيوط الأمل – أغباني’. فهذه الحرفة ليست مجرد مهنة، بل ذاكرة وهوية وقطعة من تراثنا السوري… نخاف أن تندثر، فيندثر معها جزء منّا.”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *