مياس سلمان
أمشي في شوارع المدينة شارد الذهن غير مبال بنظرات الاستغراب من أناس مجهولين لا يدركون من أكون. أصبحت واثقاً من نفسي لدرجة كبيرة. لا أعرف من أين حصلتُ على كل هذه القوة. قبل دقائق كنتُ في محل الحلاقة نظرت إلى المرآة… في رأسي من الخلف أثار جروح كثيرة قديمة لا أستطيع إخفاءها فقد أصبحت في الثاني والثلاثين من عمري وهذه الجروح أحملها من مرحلة الطفولة نتيجة سقوطي المتكرر. أصبت بالشلل الدماغي ونقص في الأكسجة نتيجة تعثر أمي في الولادة فلم أبدأ المشي حتى أكملتُ عامي الثالث، وكنت أسقط مراراً وتكراراً لدرجة لا يمكن تخيلها… ومع ذلك لم استسلم
رغم أن مشيتي غير طبيعية لكني فخورٌ بنفسي، فمشيتي غير المتوازنة والتي تلفت الأنظار أصبحت بعد الحرب حلماً للكثيرين الذين جعلت منهم الحرب أشخاصاً بائسين على كراسيهم المتحركة.
بدأت أتذكرُ قبل عشر سنوات.. كيف تخرجت من كلية الحقوق وحصلت على وظيفة ربما تكون حلماً للآلاف.. تذكرتُ كيف كنت أتجنب الطرق المزدحمة كي أهرب قدر إمكاني من نظرات الشفقة أو نظرات السخرية لكن وصلتُ لدرجة من التصالح مع نفسي حتى أصبحت هذه النظرات لا تثير انتباهي فرغم أني أنتمي منطقة ريفية بسيطة في إحدى قرى ريف الشيخ بدر التابع لمحافظة طرطوس لكني استطعت أن أحصل على مكانة واحترام لا بأس بها كشخص من ذوي الإعاقة تحدى واقعه الصعب بدعم أهله ووصل للنجاح وأصبح له قضيته التي يعمل لأجلها.
عدتُ لمنزلي.. كان يوماً حاراً جداً من أيام حزيران، جلست مستلقياً على الكنبة من التعب، نظرتُ لسقف منزلنا القديم فعلامات الدهان لم تعد واضحة نتيجة مرور الزمن، صفنتُ قليلاً، وتذكرتُ كيف أتاح لي القدر فرصة لم أكن أحلم بها للعيش ما يقارب الشهر في فندق الداما روز في دمشق لحضور تجربة دمج بين الأشخاص من ذوي الإعاقة ومن غير ذوي الإعاقة أقامها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تجربة غيرت حياتي، يكفي أني حصلت من خلالها على لابتوب ربما أحتاج جمع رواتبي خمس سنوات لأحصل على ثمنه، ابتسمتُ ابتسامة ثقة… كسر صمتي دخول أمي التي تمثل الأمان المطلق بالنسبة لي. نظرتٌ في وجه أمي المتعبة فأنا لا أستطيع مساعدتها بأي شيء نتيجة إعاقتي وأنا لا أزال أحتاجها في الكثير من الأمور. شعرتُ بالضيق مجددا… فأنا أعلم أني من دونها لا شيء وكل ما أخشاه وأخافه حتى من التفكير فيه أن أعيش يوماً واحداً دون أمي.