مياس سلمان
اكتشفت مصادفة أن هذا هو أسبوع الوحدة في العالم، من 12 إلى 18 حزيران. هو أسبوع لتذكير المجتمع بأولئك الذين يعيشون وحيدين، لحث الناس على زيارة المرضى، دور العجزة، المسنين… وللانتباه إلى أشخاص كثيرين، وحيدين، ولا يعرف أحد بوحدتهم.البعض قد يسأل ما هو شعور أن تكون وحيداً لفترة طويلة؟ لكن هناك أيضاً من يسأل ما هو شعور ألا تكون وحيداً؟ هناك من عاش أياماً وسنوات توقّف عن عدها، بسبب العزلة والوحدة حتى نسي شعور الاختلاط بالآخرين والاندماج بالمجتمع.
تُسمى الوحدة بـ ” العدو غير المرئي” فهي قد تؤدي إلى انخفاض متوسط العمر، وتعوق الاندماج بالمجتمع وإيجاد فرص العمل، وقد تؤدي لأمراض نفسية كالاكتئاب والقلق والأفكار الانتحارية. رغم ذلك، قد يرى كثيرون وحدتهم “كصديق غير مرئي”.
من منا لا يحتاج بين الحين والأخر إلى أن يجلس مع نفسه وحيداً بعيداً عن ضغوط الحياة وضجيج البشر؟ فترة قصيرة من التأمل مع النفس يسترجع فيها الفرد طاقته ونشاطه ويعود بعدها للحياة بهمة وعزيمة أكبر فالوحدة جميلة عندما تكون باختيارنا ولفترة قصيرة، ولكن ماذا لو تحولتْ الوحدة لشيء دائم وأسلوب حياة؟ تخيل أن يعيش الإنسان طوال حياته وحيداً منعزلاً عن بقية البشر سواءً أكان الشخص مجبراً أو ليس لديه خيار أخر!
تخيل أن يعيش الإنسان أغلب حياته داخل حيطان غرفته فتكون أشبه بسجن انفرادي لا يستطيع أن يخرج منها متى يريد. هذا للأسف حال قسم كبير من الأشخاص من ذوي الإعاقة الذين يعيشون أغلب حياتهم لسبب أو أخر منعزلين وحيدين غير مدمجين بالمجتمع بشكل سليم وصحيح.
أعتقد جازماً أن التداخل بين الإعاقة والشعور بالوحدة كبير جداً. بقليل من البحث على الإنترنت، ظهر أن ذوي الإعاقة يعانون أربعة أضعاف مستويات الشعور بالوحدة مقارنة بالآخرين.
هناك عدة أسباب نفسية واجتماعية ومكانية تجعل الشخص من ذوي الإعاقة يميل للوحدة ويعتبرها صديقه الدائم التي تجعله يشعر بالسلام النفسي والشعور بالأمان وبالتالي تقل رغبته بالاندماج بالمجتمع بشكل كامل ومستمر. لكن بقليل من التدقيق، يتضح أن هذه الوحدة “إجبارية” وليست اختيارية.
الصداقة وكسر الوحدة تصبح أسهل مع الناس التي تشبهك بظروفها وفي وقت نتحدث عن التقبل والاندماج… غالباً فإن الدوائر الاجتماعية للأشخاص المصابين بالإعاقة مغلقة وضيقة وتقتصر على الحلقة الأولى من العائلة أو على أصدقاء يعانون من إعاقة شبيهة.
فالأسباب النفسية تتعلق بالشخص نفسه على اختلاف نوع الإعاقة فعدم تقبله لذاته وإعاقته والخوف من المواقف التي يتعرض لها عند الاحتكاك بالناس تجعل منه شخصاً انطوائياً يميل للعزلة، ولتقليل التواصل مع بقية الناس فالبعض تؤذيه نظرات الاستغراب والبعض الآخر يعاني من عدم تفهم لغته وسلوكه فالأصم مثلاً يستعمل لغة الإشارة، فلو وجد ضمن تجمع لا يفهم لغته سيقف عاجزاً عن فهم ما يقال وما يحصل من حوله، كذلك من يعاني من إعاقة في يديه ويتعامل مع طعامه وشرابه بأسلوب خاص فيتحاشى الجلوس في المطاعم والأماكن العامة كي لا يرى نظرات الاستغراب من الناس عندما تراه يأكل أو يشرب بطريقة خارجة عن المألوف.
أما الأسباب الاجتماعية تتعلق بأهل الشخص ذوي الإعاقة فبعض العائلات ما زالت تخجل من إعاقة أبنائهم وتعتبر الإعاقة نوعاً من أنواع الوصمة فتخفي إعاقة أبنائها وتمنع من ظهوره في المجتمع فتجبره على العيش وحيداً منعزلاً وبعض الأسر لا تخجل بإعاقة أبنائها، ولكن لا تؤمن بقدراتهم وتنظر إليهم على أنهم أشخاص عاجزون لا يملكون مهارات والأفضل والأكثر أماناً أن يعيشوا داخل المنزل وتقدم لهم الأسرة كل ما يحتاجونه وبالتالي تحرمهم، من حيث لا تدري، من فرصة التطور والاندماج داخل المجتمع.
أما الأسباب المكانية فهي تتعلق بعدم قدرة الشخص ذي الإعاقة وصعوبة وصوله للأماكن العامة فالشخص على كرسي متحرك يعاني كثيراً من وجود الأدراج والطرقات غير المناسبة ووسائل النقل الجماعية التي لا تناسب إعاقته، وقد يملك إمكانات وشهادات ورغبة في العمل ولكن صعوبة وصوله لأماكن العمل تجعل منه شخصاً مضطراً للعيش بعيداً عن المجتمع وحيداً ولو كان يملك الرغبة في الخروج من وحدته وعزلته. وكذلك المكفوفون يعانون من صعوبة الوصول بطريقة سهلة بسبب عدم وجود دالات صوتية في الطرقات والأماكن العامة والمصاعد وعدم قدرته على التواصل البصري.
ثم لديك ما سأسميه ” الوحدة بالوكالة”. الآباء والأمهات والإخوة الذين يرعون شخصاً من ذوي الإعاقة، ويجبرونه على البقاء إلى جوارهم فيقومون بتشذيب دائرتهم الاجتماعية وتضييقها.
كل هذه الصراعات غير المرئية من قبل الناس العاديين، تزيد من وحدة الشخص ذي الإعاقة أكثر وأكثر وتجعله يميل للعزلة في وقت يتم تفسير عزلته ووحدته المؤلمة بتفاسير أكثر إيلاماً كالانطوائية والسلبية والهروب وأحياناً يتم استخدام العبارة الأشهر لتفسير ما لا نفهم “معقد نفسياً”.
ربما تكون الوحدة ضرورية أحياناً لتصبح سبباً للوصول إلى السلام الداخلي. لكن بالمقابل هناك مئة سبب مؤلم للوحدة، أسباب يجب أن يعمل المجتمع على تقليلها وإيجاد حلول لها.
وأخيراً يمكن القول مهما فعل المجتمع لا يمكن للفرد أن يخرج من وحدته إلا إذا امتلك الرغبة والحافز الذاتي والعزيمة والإصرار للخروج من عزلته.