الإرادة

أزمة السويداء الإنسانية تتفاقم وسط دعوات متضاربة: حصار أم إغاثة؟

السويداء – منصة إرادة

لم تحمل خيوط الفجر الأولى لهذا اليوم في مدينة السويداء الهدوء المأمول بعد خمسة أيام من دوي الرصاص والمعارك العنيفة. فمع شروق الشمس، بدأت تتكشف ملامح كارثة إنسانية تتفاقم مع استمرار العثور على جثث الضحايا في الشوارع والانقطاع شبه التام للخدمات الأساسية عن معظم أرجاء المحافظة. وفيما تكافح الطواقم الطبية المنهكة للتعامل مع الأعداد الهائلة من الضحايا، تطلق منظمات سورية نداءات استغاثة عاجلة لإنقاذ ما تبقى من أرواح.

في خضم هذا الوضع المأساوي، تباينت الدعوات والتوجهات. ففي الوقت الذي انتشرت فيه دعوات تحريضية لمقاطعة السويداء اقتصادياً وفرض حصار “سوري” على إحدى مدن سوريا، برزت في المقابل نداءات وصفت بالتصعيدية لفتح معابر حيوية نحو المملكة الأردنية الهاشمية وإلى منطقة الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا. أصوات سورية مدنية دعت لتغليب صوت العقل والضمير، وإطلاق حملات إغاثية من المحافظات السورية، وطالبت بربط الدفاع المدني ومنظومة الإسعاف السورية بالمدينة المنكوبة لتقديم الدعم اللازم.

مجازر ودمار

لا تزال عشرات الجثث متناثرة في شوارع ومنازل مدينة السويداء. وقد أعلن المشفى الحكومي عن تسليم 226 جثة لذويهم، بينما لا يزال عدد كبير من الجثث في المشرحة، فيما قدر العدد الإجمالي للضحايا بما يصل إلى 500 بينهم نساء وأطفال. في بلدة المزرعة، عُثر على جثث متناثرة على أبواب المنازل، مع تأكيدات بأن عائلات بأكملها قد أُبيدت في بلدتي تعارة وولغا.

كما تم الكشف عن مجزرة جماعية بحق عائلة آل مزهر في مدينة السويداء شرقي حي الكوم، حيث طالت المجزرة 12 فرداً من العائلة، من بينهم 8 نساء وفتيات، ورجل مسن عاجز. ووردت تقارير عن مجازر مماثلة في مضافة آل بدر ومضافة آل رضوان بالسويداء. يضاف إلى ذلك تعرض المنازل والمحال التجارية لأعمال نهب واسعة النطاق، تلتها عمليات حرق وتخريب ممنهج بعد سرقة محتوياتها.

شلل في الخدمات

الوضع الإنساني في السويداء يُوصف بـ”المفجع”. المحافظة تعيش انقطاعاً شبه كلي للكهرباء والماء والمحروقات منذ خمسة أيام، مما أدى إلى شلل تام في كافة مناحي الحياة. توقف المشفى الوطني عن استقبال المصابين، وهناك نقص حاد في الأدوية والمعدات الطبية. ووجّه نقيب الأطباء في السويداء الدكتور عمر عبيد، نداء استغاثة عاجلاً، طالباً المساعدة في تأمين سيارات لنقل المصابين إلى مشفى صلخد لتفريغ الأسرّة في مشفى السويداء الرئيسي، الذي بات غير قادر على استيعاب المزيد من الحالات. يتعرض القطاع الصحي لضغط هائل بسبب مئات الضحايا ونقص الكادر الطبي، خاصة بعد خروج المشفى الوطني عن الخدمة جزئياً إثر معارك عنيفة للسيطرة عليه، حيث ظهرت جثامين مكوّمة في قسم المشرحة وفي الممرات. ويعود ذلك إلى بلوغ برادات المشفى طاقتها الاستيعابية القصوى.

وتفاقمت الأزمة جراء نقص الوقود والمحروقات، وإغلاق العديد من محطات الوقود أبوابها. كما خرجت العديد من آبار المياه عن الخدمة في منطقة تعاني أصلاً من أزمة مياه خانقة، بينما بدأت المواد الغذائية الأساسية، وخاصة الحليب والطحين، بالنفاذ. تعاني المدينة أيضاً من انقطاع شبه كامل لخدمات الاتصالات (الإنترنت، شبكات الهاتف المحمول، والخطوط الأرضية)، مما يزيد من صعوبة تقييم حجم الكارثة ويعزل السكان عن العالم الخارجي.

دعوات متباينة: المقاطعة أم المساعدة؟

في ظل هذا الوضع المتردي، تبرز تباينات حادة في الدعوات المطروحة. ففيما ترددت من بعض الجهات دعوات صريحة إلى مقاطعة السويداء ومحاصرتها اقتصادياً، يرى آخرون أن هذه التوجهات قد تؤجج الصراع الطائفي وتزيد من معاناة المدنيين، في ظل التخوف من تحويل الأزمة إلى صراع طائفي يفاقم من الوضع الإنساني.

في المقابل، ظهرت دعوات لفتح ممر إنساني يربط مناطق “الإدارة الذاتية شمال شرقي سوريا” بمنطقة السويداء، فيما ينظر له البعض كمحاولة لتقويض سلطة الحكومة المؤقتة في دمشق، وتمهيد الطريق أمام الحل الفيدرالي.

وبين دعوات التجييش المتصاعدة، دعت عدة منظمات مدنية فاعلة، مثل منظمة بدايتنا، نساء سوريا، منظمة مساواة، منظمة نيسان، ومركز المواطنة السوري، إلى تغليب لغة الحوار والعقل ونشر ثقافة السلام وحماية السلم المجتمعي. وفي هذا السياق، دعا عشرات الناشطين إلى ضرورة فتح ممرات إنسانية نحو دمشق. يهدف هذا التوجه إلى تسهيل إيصال المساعدات الطبية والغذائية، وإجلاء الحالات الإنسانية الحرجة، وتأمين الاحتياجات الأساسية للمدنيين، وتخفيف حدة الأزمة دون تأجيج النزاعات الطائفية أو تفاقم الوضع الإنساني المتدهور.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *