الإرادة

أحمد الشرع رئيساً لسوريا: مرحلة جديدة أم إعادة تدوير اللايقين؟

منصة إرادة

بعد عقود من حكم عائلة الأسد، تدخل سوريا مرحلة جديدة مع تولي أحمد الشرع رئاسة البلاد. حدث تاريخي وهام، لكنه لا يحمل معه إجابات قاطعة أو وعوداً جاهزة، بل يفتح الباب أمام جميع الاحتمالات، حيث تغلف الضبابية المشهد، ويظل السؤال الأهم المطروح: إلى أين تتجه سوريا؟

خطاب تلغرامي بلا وعود.. وإجابات بلا حسم

بعكس ما اعتاده السوريون من خطابات رسمية تمتلئ بالوعود الرنانة والشعارات المكررة، جاء أداء الشرع سوشالميدياً مختلفاً مما أعطى طابعاً من الشعبوية وبقايا من عقلية الفصائل، لا تعهدات حاسمة حول المستقبل. والحقيقة لم يعد بإمكان أحد رسم سيناريو نهائي، ولا توجد رؤية واضحة تحدد ما سيحدث في الأشهر أو السنوات المقبلة.
ففي خطابه الأول كرئيس، أكد أحمد الشرع على عدة نقاط رئيسية. أهمها أهمية ملء فراغ السلطة في البلاد والحفاظ على السلم الأهلي. كما أشار إلى ضرورة بناء مؤسسات الدولة والعمل على بناء بنية اقتصادية تنموية. أكد أيضًا على السعي لتحقيق العدالة الانتقالية ومنع مظاهر الانتقام. كما أعلن عن إلغاء العمل بالدستور الحالي وحل الجيش والأجهزة الأمنية القائمة في العهد السابق. وتحدث عن أهمية استعادة سوريا لمكانتها الدولية والإقليمية.
وربما يكون قرار حل الفصائل المسلحة ودمجها في الجيش السوري الجديد هو الخطوة الأكثر براغماتية. في حين تخلّى الشرع مبكراً عن اسمه المعروف “أبو محمد الجولاني”، وتخلى كذلك عن بدلته الجهادية، فإن دخول هيئة تحرير الشام في جسم الدولة وتخليها عن هيكليتها الخاصة، أثبت أن الهيئة، كرئيسها، تتقن فن المساومة والإقناع.
واذا اتفقنا على أن الوعود في سوريا شبه مستحيلة اليوم . لكن ماذا عن السياسات الموضوعة. هذا الغموض قد يكون مبرراً في ظل واقع سياسي معقد، لكنّه في الوقت ذاته يضع السوريين أمام معادلة صعبة: كيف يمكننا المضي قدماً في ظل غياب الإجابات؟

حالة اللايقين التي تحكم المشهد ليست جديدة على السوريين، لكنها اليوم تأخذ بعداً آخر، حيث يتساءل الجميع:

   - هل ستتمكن القيادة الجديدة من بناء الدولة ، في ظل غياب مكوناتها؟
   - كيف ستتم حماية استحقاقات الثورة بترجمة شعاراتها حول الحرية والكرامة والديمقراطية إلى واقع ملموس ومحمي بالقوانين؟
   - هل سيتم تفعيل الحياة السياسية ؟ والتنوع الديمقراطي؟ ما هو وضع قوانين الأحزاب؟ التغيير الدستوري؟
   - ما هي المدة الكافية لإنجاز المرحلة الانتقالية ؟

أولويات المرحلة.. ولكن بأي اتجاه؟

لا شك أن الأولويات تبدو واضحة على السطح: إعادة بناء الدولة، ترميم الاقتصاد المنهك، تحقيق الاستقرار السياسي، وإنهاء آثار الحرب. لكن تنفيذ هذه الأولويات يواجه تحديات هائلة، تتجاوز الأوضاع الداخلية إلى تعقيدات إقليمية ودولية تفرض نفسها على أي قرار يُتخذ.
في ظل هذه المتغيرات، يتساءل السوريون عمّا إذا كانت المرحلة القادمة ستشهد إعادة إنتاج السلطة بصيغة جديدة، أم أنها ستكون القطيعة الحقيقية مع الماضي، والانتقال إلى نظام يحترم إرادة الشعب ويوفر له مستقبلًا يليق بتضحياته.
وفيما اعترض كثير من الشخصيات الناشطة على تعيين الشرع كرئيس لسوريا بسبب التخوفات من وضع رئيس غير منتخب في قصر المهاجرين، وإمكانية إعادة إنتاج النظام الاستبدادي أو ما يعرف (بنظام الأبد) فقد دافع قانونيون عن هذه الخطوة بالاستناد إلى مبدأ “الشرعية الثورية” في القانون الدولي، وهو مبدأ يعتمد على أن القادة الذين يقودون الحركات الثورية لهم الحق في تولي السلطة لمرحلة انتقالية في ظل غياب حكومة شرعية. مع ذلك، أشارت عدة مراكز حقوقية إلى أن مبدأ الشرعية الثورية يجب أن يترافق مع إعلان إجراءات مستقبلية تضمن مبدأ تداول السلطة بشكل سلمي، كما يجب دعمه بمبدأ “التوافق الوطني” حيث تتوافق مختلف الأطياف السياسية والاجتماعية على السياسات الانتقالية.
وفي حزمة القرارات الجديدة، تم الإعلان عن إلغاء الدستور الحالي وتشكيل مجلس تشريعي مؤقت يتولى مهامه إلى حين إقرار دستور دائم، وتأجيل المؤتمر الوطني إلى حين توافر الشروط المناسبة لعقده، وتمديد عمل الحكومة الانتقالية الحالية لثلاثة أشهر إضافية.
وتثير معظم هذه القرارات تساؤلات حول الأساس القانوني لها ومدى تمثيلها لإرادة الشعب السوري ومدى شفافية العملية الانتقالية، إضافة إلى السؤال الأهم عن تأثيرها على حقوق المواطنين وحرياتهم خاصة بسبب الصبغة الدينية المتشددة لمعظم الفصائل التي اشتركت في عملية التحرير والتي يصنف كثير منها على قوائم الإرهاب لدى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
فرغم التحديات القانونية والسياسية الكبيرة، فإن الحاجة لـ “سوريا مستقرة”، يتجاوز مجموعة القرارات التي تم الإعلان عنها بالأمس، إذ إن 90% من الشعب يعيش تحت خط الفقر، وهناك 6 ملايين أصبحوا لاجئين، و7 ملايين نازح داخلي، في وقت يبدو الفراغ الأمني “سيد الموقف” خاصة في الأرياف، وما زال الاحتقان الطائفي ينذر بانفجارات غير محسوبة في وقت لم يتم الإعلان حتى الآن عن برامج ملموسة للمحاسبة والعدالة الانتقالية لمنع أي عمليات انتقام فردية بدأت بالحدوث بالفعل.
ومن هذا المنطلق يمكن النظر إلى تعيين أحمد الشرع رئيسًا لسوريا كخطوة للحصول على الاعتراف الدولي بالرئيس الجديد وبحكومة تصريف الأعمال، ورفع العقوبات التي كانت مفروضة على نظام الأسد وإدارة التدخلات الإقليمية والمطالب الدولية بأقل قدر من التنازلات السيادية بما فيها العلاقة مع إسرائيل، وهي أمور أساسية لإعادة بناء سوريا، وتحسين نسبي للوضع الاقتصادي والاجتماعي، وتحقيق استقرار سياسي، حتى لو كان آنياً. ويبقى السؤال عن المستقبل الهش والغامض عما إذا كانت سيتبع هذه الخطوة حوار وطني شامل يضم مختلف الأطياف السياسية، وفتح ملف انتهاكات حقوق الإنسان في العقد الماضي ومحاسبة المتورطين بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية والطائفية والعسكرية.

سوريا بدون الأسد.. ولكن هل بدون الأبد؟

لأول مرة منذ عقود، تغيب عائلة الأسد عن المشهد السياسي السوري، لكن يبقى السؤال الأهم: هل انتهى نهج “الأبد”؟ هل ستتم صيانة الحرية والديمقراطية والكرامة التي نادت بها الثورة، أم أن العجلة ستدور من جديد في نفس الدائرة؟ قد يكون أحمد الشرع هو الرئيس الجديد، لكن الحكم على مستقبل سوريا لا يزال مفتوحاً، في انتظار الأفعال لا الأقوال.​