إعداد: ضياء الصفدي
هي معاناة حقيقية لا تستطيع الأفلام تصويرها ولا الروايات وصف قسوتها، ولا يمكن للخبر العابر أن ينقل عمق الألم الذي يعيشه ذوو الإعاقة وأهاليهم عند حاجتهم لأبسط حقوقهم الصحية، وهي الحصول على علاج مناسب للأسنان.
غصةٌ في صوت أم عمر تلخص هذه المعاناة، حين احتاج ابنها ذو الإعاقة الحركية والشلل الدماغي للعناية بأسنانه، فوجدت أن معظم أطباء الأسنان يعتذرون، إما بسبب حالته الصحية أو لأن عياداتهم غير مهيأة لاستقبال الكراسي المتحركة. وحتى المراكز الحديثة أصبحت مخصصة غالباً “للابتسامات الهوليوودية”، بينما تبقى ابتسامة عمر معلقة خلف عشرات الحواجز.
أساليب وطرق العناية
قصة عمر هي واحدة فقط من معاناة يومية لكثيرين من ذوي الإعاقة، فالعناية بصحة الأسنان ضرورة للجميع، لكن ذوي الإعاقة يحتاجون إلى أساليب خاصة، ومتابعة حثيثة من الأهل والمختصين.
فالأطفال ذوو الإعاقة أكثر عرضة للإصابة بأمراض الفم، مثل التهاب اللثة وتسوس الأسنان، لأن طبيعة الغذاء الذي يتناولونه غالباً ما يكون ليناً، إضافةً إلى تناول بعضهم أدوية تؤثر سلباً على صحة الفم والأسنان، كما أن البعض يتنفس من الفم باستمرار. لكن العامل الأهم هو أن الكثيرين منهم غير قادرين على الاعتناء بأسنانهم بأنفسهم، إما لصعوبة تعلم مهارة التفريش، أو بسبب مشاكل عقلية أو عضلية تمنعهم من القيام بذلك بشكل مستقل.
الإعاقة وعلاج الأسنان.. تحديات مضاعفة
يواجه ذوو الإعاقة تحدياً مزدوجاً عند حاجتهم لعلاج أسنانهم، إذ يرفض البعض من أطباء الأسنان استقبالهم. وتتعدد الأسباب بين عدم ملاءمة العيادات (مثل وجودها في طوابق علوية دون مصاعد)، وبين حاجة المريض من ذوي الإعاقة لوقت وجهد إضافيين للتعامل معه. وغالباً ما يُقارن بعض الأطباء بين استقبال مريض من ذوي الإعاقة وبين علاج مرضى عاديين أو إجراء علاجات تجميلية أكثر ربحاً، فيختارون الجانب المادي أو يفضلون عدم استقبال ذوي الإعاقة، خشية ابتعاد المرضى الآخرين، خاصة مرضى تجميل الأسنان.
أطباء متخصصون بذوي الإعاقة
في المقابل، هناك أطباء أسنان يرحبون بحالات ذوي الإعاقة، وبعضهم متخصص في التعامل معها بشكل خاص. الدكتورة غدير أبو كرم، أخصائية طب أسنان الأطفال، أشارت في حديثها لـ “إرادة” إلى خصوصية التعامل مع هذه الشريحة، والتي تشمل إعاقات جسدية وعقلية ومتلازمات وأمراضاً مزمنة، حيث تحتاج كل حالة إلى تعامل خاص.
وأكدت الدكتورة غدير على أهمية دور الأهل في العناية اليومية بأسنان أبنائهم من ذوي الإعاقة، خاصة في حالات الشلل أو ارتعاش اليدين، إذ يكون اعتماد الطفل بشكل كامل على ذويه.
كما تطرقت إلى ضعف تجهيز العيادات لاستقبال ذوي الإعاقة، مثل عدم وجود مصاعد أو مداخل مجهزة للكراسي المتحركة، مما يضاعف معاناة هذه الفئة.
وأضافت أن بعض الحالات لها خصوصية علاجية، مثل متلازمة داون التي تتميز بنقص في عدد الأسنان ولسان عريض، ما يستلزم تعاملاً أكثر دقة. ونصحت بأن يُعامل الطفل أو المريض كصديق وليس كمريض، مع منحه الوقت الكافي ليشعر بالراحة.
أما فيما يتعلق بالأدوات الحديثة التي تسهل العلاج لهذه الفئة، فقد أشارت إلى أهمية جهاز الماسح (السكنر) الفموي كبديل عن القوالب التقليدية، وكذلك استخدام “غاز الضحك” (النتروز) لتخفيف توتر الطفل أو ذوي الإعاقة، إضافةً إلى التخدير الإلكتروني الذي يتميز بعدم التسبب بالألم، مع الإشارة إلى ضرورة اللجوء أحياناً إلى التخدير العام داخل المستشفى في بعض الحالات الصعبة.